Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب

للمزيد من هذه اللسلسة:

كيف ننمي الثقة بالنفس لدى أبنائنا؟ ١                   كيف ننمي الثقة بالنفس لدى أبنائنا؟ ٢

كيف ننمي الثقة بالنفس لدى أبنائنا؟ ٣                   كيف ننمي الثقة بالنفس لدى أبنائنا؟ ٤


 

 الثقة بالنفس هي جواز السفر الذي يعبر به الأبناء رحلة الحياة منذ صغرهم وحتى يكبرون ليكونوا أصحاء ذهنيًا، وسعداء اجتماعيًا.. إنها أحد أهم مقومات الشخصية الفعالة والمؤثرة، ومن أكثر العوامل التي تؤثر في إمكانية ونوع النجاح في المستقبل.

إن ما يتمتع به الابن أو الابنة من الثقة بالنفس في مراحل العمر المختلفة له تأثير مباشر على سلوكه، وردود أفعاله.. على شكل علاقاته مع الآخرين، وأيضًا على تطور حياته الروحية، سواء في علاقته الاختبارية مع شخص المسيح المخلص، أو انتمائه للكنيسة في العبادة والخدمة. 


    تُرى عندما ينظر طفلك إلى نفسه في المرآة، هل يشعر بالرضا عما يراه؟ وعندما يفكر في نفسه، هل يشعر بالراحة الداخلية لما هو عليه كشخص؟ في البيت، وفي المدرسة أو مع الأصدقاء، هل يشعر أن وجوده يصنع فرقًا، وإذا غاب هل سيُفتقد؟ هل يشعر أبناؤك بأنهم جديرون بمحبة واحترام الآخرين لهم؟ 

    من فضلك لا تقرأ هذه الأسئلة «قراءة الجرايد» ثم تمضي إلى مشغولياتك؛ فالتفكير مليًا في إجاباتها، وربما مناقشتها معًا كأبوين ستضعنا أمام حقيقة لا يمكن تجاهلها.. أن الأسرة هي المشتل الذي تزرع فيه بذرة الثقة بالنفس في أولادنا وتنمو حتى تأتي بثمر يدوم لبقية العمر. البيت، وليس أي مكان آخر، هو نبع المياه الصافية والباردة الذي لابد أن يروي عطش كل نفس صغيرة كانت أو كبيرة للإحساس باستحقاقها للحياة، وتأكيد هُويتها كإنسان خُلق على صورة اللـه.. بغض النظر عن نوع الجنس ذكرًا كان أو أنثى، الترتيب بين الإخوة، شكل الجسم وحجمه، أو لون البشرة، مواضع القوة أو نقاط الضعف، مستوى الذكاء والتحصيل الدراسي، أو المقدرات الرياضية والفنية؛ وغير ذلك مما يعطيه الناس قيمة، بينما يتجاهلون أن القيمة الحقيقية هي فيما يكون عليه الشخص في داخله، فتجعل منه الابن أو الابنة الذي يريده الخالق أن يكون!

    إن أغلب مشاكل السلوك لها علاقة بشعور الشخص بالاستحقاق، ومقدار ثقته بنفسه.. أنا ممَنْ يظنون أن السلوك المروري غير اللائق للسائقين في شوارعنا، باختلاف مستوياتهم الاجتماعية، يرجع إلى شعورهم بالقلة، وهذا يجعل الواحد منهم يعتقد لا شعوريًا أن اتباع القواعد ينتقص من أهميته، وبالتالي يأخذ الأمور بشكل شخصي، ويقود سيارته وكأنه في معركة حربية فيها يكون «كسر الإشارة» أوالسير عكس الاتجاه نوعًا من النصر الذي يحققه ليؤكد لنفسه أنه أهم من الآخرين، مع أن العكس صحيح. أما استخدام «وماض السيارة» عند الاتجاه يمينًا أو يسارًا فهو "إعلان نيته للأعداء"! لكن الأمر يذهب إلى أبعد من ذلك؛ فالأشخاص الذين تتوفر لهم فرصة الوجود في بيئة أسرية تطور ثقتهم بأنفسهم يمكنهم التعايش بسلام مع الآخرين، ويكون أداؤهم الدراسي أفضل، وإنجازهم للأعمال بنجاح أسهل، ولا غنى للثقة بالنفس في علاقة زوجية مستقرة وإيجابية.

    بالأسف يخلط الكثيرون في مجتمعاتنا بين الثقة في النفس و«النرجسية».. أي حب النفس الذي يقود للاضطراب في الشخصية، فتصاب بالغرور والتعالي، ومحاولة الكسب ولو على حساب الآخرين. هذا يخالف تمامًا معنى أن يكبر أبناؤنا بيننا في جو من الحب غير المشروط، يؤكد لهم أن استحقاقهم كأشخاص لا علاقة له بأي شيء سوى أنهم أبناؤنا. هذا الجو الأسري المفعم بالقبول والتشجيع يمكنهم من أن يتعرفوا بواقعية على مواضع قوتهم فيتمتعون باستخدامها، ويتفهموا أنه من الطبيعي وجود نقاط ضعف لديهم مثل باقي البشر، فيجتهدون لتحسينها، أو قبولها.. فقوة الله تكمل بنعمته في ضعفنا (كورتثوس الثانية ١٢: ٩).

    «الست أم حمادة» واحدة من بين كثيرات ممَن استقدمتهن زوجتي في بداية حياتنا الزوجية معًا لمساعدتها في أعمال المنزل، وهي بالطبع مهام لا نهاية لها، والنتيجة لغاية النهاردة البيت لسه «مكركب»، والأولاد بيطلبوا «دليڤري» علشان يتعشوا! على أية حال، أم حمادة ست كلها مفهومية، باستثناء حاجة واحدة بس ما فهمتهاش.. لما كانت تسمع مراتي بتقول لابني الكبير، ومكانش عندنا غيره في ذلك الوقت: ”إنت أحلى ولد في الدنيا!“ وإللي كان صعب على «أم حمادة» تفهمه، وسألت عنه واحدة من أصحابنا: "إزاي الولد ده أحلى واحد في الدنيا، وهو أسمراني وشعره مفلفل زي أبوه؟!" بالطبع لم نكن بحاجة كأبوين لأي جهد لنميز أن "نظرية أم حمادة" محلية جدًا، لأننا في نفس السنة سافرنا لبلد أوروبي بالولد أبو عيون واسعة ورموش غزيرة.. وهناك سحر الناس بلون بشرته البرونزي وشعره «المكتكت»! 

ماذا كان يعني هذا بالنسبة لنا كأبوين مبتدئين؟ لقد تعلمنا أن نؤكد لابنينا من طفولتهما، وفي مرحلة المراهقة، وحتى صارا شابين يافعين أن القيمة في داخلهما وليس فيما يراه الناس في الخارج.. ولم نندم أبدًا على تربيتهما بهذه القيمة لتكون العمود الفقري لشخصيتيهما. وأعتقد أنهما أيضًا لم يندما على هذا الأسلوب الذي صقل كلاً منهما ليكون ما عليه اليوم.. ولو مش مصدق ممكن  تسأل أي واحد منهم أو الاتنين وهما يقولولك! ”يا له من نظام مشوَّه للقيم ذاك الذي فرضته مقاييس العالم علينا! ويا له من جرح عديم الشفاء ذاك الذي يلحق بأي ابن أو ابنة يبدو غير جميل المظهر في نظر البيئة التي ينشأ فيها، ولا يتدخل والداه كمساندين له!“ (د. جيمس دوبسون)

 

    خلال مراحل العمر المختلفة يتعرض أبناؤنا لمؤثرات إيجابية "تبنيهم"، ولأخرى سلبية "تهدمهم"، فكيف للوالدين أن يستغلوا كل فرصة ممكنة ليعرضوهم أكثر لما يبنيهم، ولمساعدتهم على التعامل مع ما يمكن أن يهدمهم.. هذا هو ما سنتحدث عنه في المرات القادمة. 


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٢٤ مايو/ آيار ٢٠١٥) 

Copyright © 2015 Focus on the Family Middle East. All rights reserved

 

 

 

 

 

 

 

 التربية المقدسة بالطول