Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

 

بقلم: سامي يعقوب 

       للمزيد من هذه السلسلة:

                       من مفكرتي عن الزواج ١    من مفكرتي عن الزواج ٢       من مفكرتي عن الزواج ٣

                                   من مفكرتي عن الزواج ٤          من مفكرتي عن الزواج ٥


   جاءتني بعض التعليقات عما ذكرته في المرة السابقة عن أهداف حياتي التي شاركت بها كمثال لأشجع القُراء أن يفكروا في تأثير وجود أهداف يسعون لتحقيقها في حياتهم. ومن بين التعليقات التي تضيف إلى معنى ما أردت أن أشارك به، ثلاثة رائعة أذكرها باختصار هنا.    

الأول، ليس بالضرورة أن يضع الواحد منا أهدافًا طويلة المدى يعيش من أجل تحقيقها.. فالله يقود حياتنا من خلال مواسم، ولكل موسم أهدافه المرحلية التي تأخذنا للأمام. والثاني، لا يجب أن ترتبط الأهداف فقط بالإنجاز الذي نحققه سواء في الدراسة، أو العمل والبيزنس.. لكن بالأكثر تلك التي ترتبط باستعدادنا أن نفعل شيئًا له قيمة يسعد الآخرين؛ فيشعرون بوجودنا بما نفعله، ويفتقدون بغيابنا للأشياء ذات القيمة التي نفعلها لأجلهم. وأخيرًا، لا سعادة في الحياة بدون الاشتراك في مسؤوليات خدمة تطوعية، تُخرج الشخص من عالم نفسه المحدود إلى عالم غير محدود، فيه يتحول ما يعطي قيمة لحياتنا من مجرد أفكار إلى أفعال، فنصنع فرقًا بما نحياه عمليًا.. وهذا في حد ذاته هدف يستحق أن نعيش لأجله.

     أتفق تمامًا مع هذه التعليقات، وأضيف إليها بعدًا آخر.. الافتقاد لوجود هدف في الحياة يجعل الشخص في الكثير من الأحيان يشعر بعدم توازن، ينعكس عليه بإحساس من القلق بدون سبب، والملل بالرغم من وجود ما يسعده. هذه المشاعر غير المستقرة، إذا أصبحت مزمنة، تؤدي إلى ما يطلقون عليه: "أزمة منتصف العمر"، وقد تقود في النهاية إلى الانخراط في علاقات عاطفية خارج الزواج، في محاولة للتعامل مع الشعور بالضياع.. «النفس الشبعانة (بالأهداف والمعنى) تدوس العسل (لا تلتفت للمغريات)، وللنفس الجائعة (الفارغة) كل مُر حلو (مع أنه يدمر الحياة).. مثل العصفور التائه من عشه (زواجه) هكذا الرجل (أو المرأة) التائه من مكانه (الذي يعيش حياة بلا هدف)» (أمثال ٢٧: ٧ - ٨).

      أما الكفاح من أجل تحقيق غرض طويل المدى أو مرحلي، فإنه يحرر من قيود مشاعر الإحباط بسبب ضياع الفرص، أو الشعور بالمخاوف غير المنطقية، وبدلاً من ذلك يجعل الواحد منا قادرًا على المساهمة بشكل فعال في حياة أسرته، والتأثير في مَنْ يعمل معهم أو يعيش بالقرب منهم. الإدراك بأن حياتك لها معنى يقلل من مشاعر القلق في أسرتك، ويضفي عليها شعورًا بالأمان، خاصة في الأوقات الصعبة.. كما يزيد من تقديرك لشريك حياتك الذي يتقاسم معك "الحلوة والمرة".

 

إعلان الاعتزاز

 

            إن اكتشاف الغرض الذي يمكن أن تعيش لأجله ليس صعبًا أو مستحيلاً، لكنه يحتاج لبعض الوقت والتركيز. الخطوة الأولى تتطلب منك أن تأخذ خطوتين للخلف لتفكر ما هو الغرض الذي يمكن أن يكون محركًا لحياتك، ويتفق مع ميولك والمهارات التي تتمتع بها كشخص. وبينما تفكر في هذا السؤال، راجع مع نفسك قائمة اختياراتك والتزاماتك لترتب أولوياتك بما يُمكّنك أن تبدأ في السعي لتحقيق هذا الغرض. ثم تحدَّث مع شريك حياتك بانفتاح، وأتح له أو لها الفرصة ليعبر عما يراه غرضًا خاصًا لحياته أيضًا.. فكرا معًا في الأشياء التي ربما كنتما متحمسين لها في بداية زواجكما؛ وابحثا عن الأسباب التي جعلت هذا الحماس يفتر، وكيف يمكن لاستعادة هذه الرؤية أن تجدد العزم على العيش من أجل معنى أعمق.

            في عام ٢٠٠٩ أُجريت دراسة شملت آلاف اليابانيين عن ارتباط طول العمر بوجود هدف للحياة، واليابانيون من أكثر الشعوب المعمرة.. ووُجد أن أن الذين تطول حياتهم لمائة عام فأكثر هم مَنْ يعيشون من أجل هدف يسعون لتحقيقه. «الغم (كآبة غياب المعني) في قلب الرجل يحنيه (يمرضه)، والكلمة الطيبة (تقدير الإنجاز) تُفرحه (تطيل عمره)» (أمثال ١٢ : ٢٥).

 

            دراسة أخرى أجرتها أستاذة لطب المخ والأعصاب بمركز أمراض «ألزهايمر» في ولاية شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية، وجدت أن الذين لا يعيشون بهدف في حياتهم معرضون بنسبة أكثر من الضعف للإصابة بهذا المرض؛ مقارنة بالذين لديهم هدف قوي يحرك دوافعهم لمداومة النشاط، وقبول التحديات، ويمنحهم عزيمة للتفكير المتجدد حتى مع تقدمهم في العمر.

 

            يقول البابا شنودة الثالث في إحدى عظاته: "الذين ينجحون في حياتهم، كانت لغالبيتهم أهداف قوية وضعوها أمامهم، واستخدموا كل إمكاناتهم لتحقيقها… محبة الهدف والرغبة في تحقيقه، منحتهم حماسًا وقوة ونشاطًا.. كما منحهم الهدف تركيزًا في حياتهم وتنظيمًا لها. أما الذي يعيش بلا هدف، فإن حياته تكون بلا معنى، ولا طعم، ولا اتجاه، ولا ثبات.. قد يدركه الملل والضجر في أحيان كثيرة؛ فيشعر بأن حياته رخيصة وتافهة؛ فيبحث عن وسائل لقتل الوقت لأن الوقت عنده لم يعد له قيمة ولا رسالة ! إن أمثال هؤلاء مساكين يعيشون ولا يعرفون لماذا يعيشون.. تجرفهم دوامة الحياة دون أن يشعروا، وإن شعروا يسألون: إلى أين؟!

            لا يوجد شيء يقول لأنك متزوج أو لديك أطفال أنك لا تستطيع التوقف لتلقي نظرة على حياتك، وتفكر ما الذي تحتاج لتغييره في أسلوب معيشتك، لتبدأ من اليوم في السعي من أجل تحقيق غرض يضيف قيمة ومعنى لكفاح العمر، ويحرك المياه الراكدة، ويخلصك من الروتين الممل الذي يسود على أيامك؛ فتجلب من جديد البهجة لحياتك، والسعادة لأسرتك.. وإلى بقية أحاديث المفكرة.


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ١٦ يوليو/ تموز ٢٠١٧)

Copyright © 2017 Focus on the Family Middle East. All rights reserved.