Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب
للمزيد من هذه السلسلة:

الدرجة أم الشخصية ١              الدرجة أم الشخصية ٢              الدرجة أم الشخصية ٣ 

الدرجة أم الشخصية ٤              الدرجة أم الشخصية ٥              الدرجة أم الشخصية ٦


والآن وصلنا لختام الحديث إللي ممكن يزعلنا من بعض! "ليه كتير من إللى كانت درجاتهم متواضعة في المدرسة من أنجح الناس في الحياة العملية؟" هذا سؤال غريب، لكنه يعبر عن واقع لا يمكن تجاهله.. وأرجو ألا يساء فهمي؛ فأنا لا أقصد أن التعليم لا يستحق أن نهتم به، على العكس، كل ما أنادي به هو كيف نهتم بتعليم أبنائنا لكن بالطريقة الصحيحة؛ فالدرجات النهائية لا تضمن بشكل مطلق مستقبلاً باهرًا..


ببساطة لأن النجاح في الحياة، شئنا أم أبينا، يرتبط بشكل أساسي بنوعية الشخصية! قد يحصل أحدهم على امتياز في علم الإدارة، وهذا لا يعبر سوى عن مقدرته على حفظ ما يستذكره ليُجيب على أسئلة الامتحان.. لكن هل يعني هذا التفوق أنه سيكون مديرًا ناجحًا؟ القضية هنا هي مقدرة الشخص على توظيف المعرفة لتحقق الإنجاز.. وهذا ما تفعله الشخصية بعد أن تصبح الدرجة مجرد حبر على ورق.


أردت أن أثير هذا السؤال الذي أعرف مُسبقًا أنه لن يعجب بعض القُراء، لأبدأ دفاعي عن كل الصغار الذين لا تسمح قدراتهم على تحصيل الدرجات الأعلى التي يتمناها الوالدان، ويصران أن يحققها الأبناء بأي ثمن.. الذين يكبرون في بيئة تجعلهم يشعرون بعدم الكفاءة، وتصنفهم بأنهم متوسطو الذكاء.. الذين أصابهم التمييز العنصري لفصل المتفوقين، ولم تعرف صورهم طوال سنوات الدراسة طريقها إلى لوحة الشرف.. كل الذين تطحنهم نفسيًا المقارنة بالآخرين في عدم إدراك لتفردهم كأشخاص.. كل الذين جُرحوا بالتوبيخ القاسي على عدم تمتعهم بقدرات لم يكن بيدهم أن يختاروا ألا تكون لديهم.. الأبناء الذين تصم آذانهم، وتغلق عقولهم عبارات مثل: "علم في المتبلم يصبح ناسي" أو "عمرك ما هاتفلح" أو "هاتبرم مهما عملت" أو "تبقى تعال قابلني لو فلحت"، وغيرها من العبارات البالية التي بالطبع لن تأتي بالدرجة، وبكل تأكيد تحطم الشخصية. من أجل كل هؤلاء أكتب للآباء والأمهات هذه المرة.. في طاعة لمناداة الحكيم سليمان:  "افتح فمك دفاعًا عن المتألمين، وعن جميع حقوق المهملين  ". (أمثال ٣١: ٨)

 

في مدرسة تربية الأبناء ٥ 2019

 

تُرى هل أحاديث «الدرجة أم الشخصية؟» هي محاولة للنحت في الصخر، كما علق عليها صديق يرأس مؤسسة تعليمية عريقة؟! أعرف أن الذين ينتمون لتوجهات القرن الماضي الفكرية لا يعجهبم القول بأن الدرجة لم تعد بالأهمية التى كانت تُعطى لها من قبل، وأن الشهادة أو الحصول على اللقب لا يعنيان بالضرورة النجاح في الحياة. فما أكثر من ينالون الشهادات التي تمنحهم اللقب، لكن طعم المرارة يملأ أفواههم! تعليق صديقي زاد من إصراري على الوقوف من أجل الأبناء المطحونين،  الذين لا حول لهم ولا قوة في مواجهة ضغوط والدين يقيسون استحقاقهم طبقًا للدرجة التي يحصلون عليها في امتحانات الشهر، ويجبرونهم على الدراسة والاستذكار بأسلوب يضعهم في صراع مستمر مع النمط التعليمي الذي ينتمون إليه.. ألبرت أينشتين، أحد أعظم علماء القرن العشرين، قال عن الصراع بين نمط التعلم واستخدام أسلوب واحد في التدريس وحل الواجب: "لكل إنسان عبقريته الخاصة، لكن الحكم على سمكة قياسًا على قدرتها على تسلق شجرة سيجعلها تعتقد طيلة حياتها أنها غبية!" وبالمناسبة لم يكن أينشتين تلميذًا نابغًا في طفولته، لدرجة أن والديه ظنا أنه معاق ذهنيًا.. ولأنه لم يُحرز درجات كافية في امتحانات المدرسة طرد منها في سن الخامسة عشرة.

 

أعظم المفكرين والقادة، وأنجح رجال الأعمال في مجالات الحياة المتنوعة، هم من استطاعوا أن يتحدوا المألوف، ولم يُفشلهم التصنيف بأنهم تلاميذ متوسطو المستوى! على أية حال، لم يرجع فشل هؤلاء في بداية حياتهم إلى عوامل الذكاء، بل إلى قياس قيمتهم والقدرات الكامنة فيهم بناءً على ما يحققونه من الدرجات، وكذلك سطحية تقييم إجاباتهم الخلاقة على أسئلة الامتحانات طبقًا لجمود نموذج الإجابة. قصة بيل جيتس وميكروسوفت، وخبرة ستيڤ جوبز مع تصميم تكنولوجيا آبل من أروع الأمثلة لأشخاص حققوا مكانة مبهرة في عالم النجاح والشهرة والغنى، بالرغم من أنه لم يكن لهما حظ وافر مع درجات المدرسة، وقد بدا أنهما فاشلان في نظر مجتمعهما! لكن بإصرار لم ينقصه الحماس، وبموهبة استطاعت أن تفلت من قيود الدراسة التقليدية استطاعا  بما وصلا إليه من ابتكارات أن يصنعا ثورة تقنية غيرت العالم بأثره.. مع أن الأول لم يحصل سوى على درجة البكالريوس، والثاني لم يكمل دراسته الجامعية! السر في انطلاق مثل هذين العظيمين إلى عالم النجاح يكمن في إدراكهم المبكر أنه حتى إذا كان المجتمع الذي يعيشون فيه يعطي أهمية قصوى للدرجة، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن ما يعتقده الغالبية هو الصواب!

 

لقد حان الوقت لنستيقظ؛ فالعالم قد تغير، والنجاح الآن لا يتحقق إلا بقدرة الأشخاص على التفكير فيما يتعلمونه، وبالمحاولة المستمرة للتوظيف الخلاق لمعرفة تُكتسب بالتعليم، لتفجر المواهب والقدرات التي يُولدون بها من أجل تحقيق أعظم الإنجازات لخدمة البشرية. فلنرحم أولادنا إذن، ولنحرص على ألا نفشلهم أو نثير غيظهم وغضبهم (أف ٦:٤).. فمَنْ يستطيع أن يربي أبناء يشعرون بالثقة في قدرتهم على تحقيق الأهداف التي يحلمون بها لحياتهم، وإنجاز المهام التي يختارون القيام بها في مستقبلهم، بغض النظر عن درجات الشهادة في أيام دراستهم، يعطيهم بهذا أحد أعظم بركات الحياة.


لقد طلب مني الأصدقاء في وطني أن أكتب عن هذا الموضوع، وما شاركت به في المرات السابقة يتفق في مجمله مع الحقائق التربوية عن التعليم والتعلم، بالرغم من أنه لم يشمل كل ما يمكن أن يقال عن أهمية الشخصية بما لا يقارن بالدرجة.. لكنه عبر أكثر عن خبرتي الشخصية في تربية ابنين، أعتبر أن رحلتي معهما كانت أمتع خبرات عمري. ولا أجد ما يمكن أن أختم به هذه السلسة من الأحاديث أفضل مما كتبه الرسول يوحنا في رسالته الثالثة لحبيبه غايُس: «في كل شيء أروم أن تكون ناجحًا».. ثم أكمل رسالته بكلمات تفيض بمشاعر أب طال به العمر، وعندما نظر للوراء في أيام شيخوخته رأى أكثر ما يملأ قلبه بالسعادة فعبر عنه بروعة وإيجاز: «ليس لي فرح أعظم من هذا أن أسمع عن أولادي أنهم يسلكون بالحق».. كلمات لاتزال تنادي كل أب وأم من أواخر القرن الأول وحتى اليوم ليعرفوا أعظم ما يمكن أن يُختتم به كفاح الأيام في تربية الأبناء. حقًا ماذا ينتفع الآباء إذا حصل الأبناء على أعلى الدرجات وخسروا أبديتهم.. هذا هو سؤال العمر الذي يحتاج لجواب.


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ١١ مايو / آيار ٢٠١٤)

Copyright © 2014 Focus on the Family Middle East. All rights reserved

 

 

 

 

 

 

 

 

ابناونا الصبيان كيف نربيهم بالطول