بقلم: سامي يعقوب

خطير أن ننشغل بمجريات الأحداث، والنتائج التي يمكن أن تترتب على "نعم" أو "لا" للدستور.. وأن نسمح لأمواج الانقسام والصراع الدائر بين إخوة الوطن الواحد أن تُغرقنا في دوامة من اليأس والخوف.. فاليأس يُفقدنا الرؤية للمستقبل، والخوف لا يُفقدنا شجاعتنا فقط، بل وقد يجعلنا نتعلق بأوهام نظن أن فيها خلاصًا أو إنقاذًا للمستقبل. الخطورة هنا أن تثقل آذاننا تدريجيًا فلا نعود نسمع صوت الله لنا في الكلمة المقدسة، وتتقسى قلوبنا؛ فنتوقف عند حديث الرب يسوع: "في العالم سيكون لكم ضيق"، ولا ترى أعيننا بقية كلماته: "لكن ثقوا أنا قد غلبت العالم"! 

مهمومًا بما يمكن أن تؤثر به احتمالية أن تسود الديكتاتورية الدينية في مصر على حياتنا اليومية وعلى مستقبل أبنائنا، سافرت إلى تركيا في زيارة عمل قصيرة. هناك لم تغب أحداث بلادي عن ذهني، بالرغم من أن حواراتي وأحاديثي لم ينقصها حماسي المعتاد. وبينما كنت أفكر في تاريخ هذه البلاد الجميلة، لم أستطع أن أتجنب سؤالاً يتردد داخلي بقوة: "تُرى هل ستقودنا الأيام ليُصبح الحال في مصر كما هو في تركيا الآن؟" وقبل أن يذهب فكرك بعيدًا للإجابة على هذا التساؤل؛ أنا لا أقصد به أن تصبح بلادنا على مثال بلاد الأتراك في التحضر، والقوة الاقتصادية، ولا حتى في النظام السياسي وأسلوب الحكم هناك.. فالمعروف أن تركيا هي الديمقراطية الإسلامية الوحيدة في العالم. وياليت معاناة هذه الأيام تتمخض عن وضع يجعل من مصر في يوم ما بلدًا يُضاهي المثال التركي! لكن في الواقع السؤال الذي كان

يلاحقني يتعلق بمستقبل وجود الإيمان المسيحي في مصر، خاصة إذا تصاعدت الأمور في الاتجاه الذي يسعى إليه المتشددون من شركاء الوطن. 

كما هو الحال في مصر، لقد نشأت الكنيسة في تركيا في القرن الأول الميلادي.. في أنطاكيا، التي تقع جنوب تركيا، دُعي التلاميذ مسيحيين لأول مرة -بحسب ما ذُكر في سفر أعمال الرسل. كما أن أغلب المدن التي زارها الرسول بولس في رحلاته التبشيرية كانت في تلك المنطقة؛ كذلك فرسائل بولس إلى أهل غلاطية، وأفسس، وكولوسي، وأيضًا رسالة بطرس الأولى كُتبت كلها إلى مؤمنين عاشوا فيما يُسمى "تركيا" اليوم. ولا ننسى أن أول سبعة مجامع مسكونية للدفاع عن العقيدة المسيحية عُقدت في نفس المنطقة. لقد ظلت تلك البلاد مسيحية الديانة تحت حكم البيزنطيين حتى هُزموا في معركة "ملازكرد" بقيادة "آرب أرسلان" القائد الفارسي المسلم، وبعد ذلك تغير الحال في تلك البلاد. وفي عام ١٤٥٣ ميلادية أصبحت القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية عاصمةً للإمبراطورية العثمانية تحت اسم إسطنبول، وأصبح الإسلام الدين الرسمي للدولة. 

وجدير بالذكر، مع هذه الخلفية التاريخية، أن الضغوط العقائدية على السكان ليتركوا مسيحيتهم لم تكن هي السبب الأول لتحولهم عن إيمانهم؛ بل الجهل بالكلمة المقدسة السائد في تلك الفترة كان وراء أن يترك القرويون الآسيويون البسطاء إيمان آبائهم، وينضموا إلى الدين الجديد؛ إذ وجدوا فيه ما يُسهل لهم الحياة التي أرادوا أن يعيشوها آنذاك! كما لا نستطيع أن نقلل من دور هجرة الذين كانوا من أصل يوناني، واختاروا الرحيل إلى بلاد أخرى ليست تحت الحكم الإسلامي.. هل يمكنك قراءة هذا التاريخ في قرينة ظروف ما يحدث في بلادنا هذه الأيام؟ 

كذلك كُتب سفر الرؤيا ليخاطب المؤمنين الذين كانوا يعيشون في المنطقة الجغرافية لتركيا الحديثة، وأعتقد أن رسائل الرب يسوع إلى السبع كنائس المذكورة في الأصحاحين الثاني والثالث من هذا السفر تخاطبنا نحن أيضًا اليوم.. فهذه الرسائل يمكن أن تُقرأ بأكثر من زاوية: تاريخيًا كانت تصف حال تلك الكنائس، وتحذرهم، وتدعوهم للصبر والثبات في الإيمان حتى يغلبوا بالرغم من الضيقات. ومن جانب آخر كانت كل الرسائل تُقرأ في جميع الكنائس؛ فما جاء بها يخاطب جميع المؤمنين بلا استثناء.. ولأن كل تحذير ووعد ذُكرا في الرسائل وُجها بصفة شخصية عند نهاية كل رسالة: "من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس"؛ إذن فالحديث هنا تاريخي ومعاصر، كما أنه موجه للمؤمنين كأفراد وليس ككنيسة فقط. 

تُرى ما العلاقة بين هذه الرسائل واندثار الإيمان المسيحي في بقعة من الأرض كان لها باع كبير في انتشار المسيحية؟ وبعد ألفي عام تقريبًا على كتابتها، هل من علاقة لمحتواها بما نعايشه اليوم؟ القراءة المتأنية للرسائل السبع تقودنا إلى الإجابة على السؤالين.. فللمؤمنين بالمسيح ابن الله عبر العصور نفس العلاقة معه: إما التوبة واليقظة، أو تُنزع منارتهم فيغيبون عن المشهد. لقد وجَّه السيد المسيح تحذيرًا لمؤمني ست كنائس من الكنائس السبع لما يمكن أن يحدث لهم في الحاضر وفي المستقبل، ما لم يتوبوا ويرجعوا عن أعمالهم التي تُبعدهم عن الحق، والعلاقة الحية معه. إن كانت هذه التحذيرات تخاطبنا اليوم، فإن فرصة التمسك بالوعد الذي تضمنته كل رسالة متاحة لنا أيضًا كأفراد وككنيسة لنغلب في معركة الإيمان. ولعل تلك الكنائس الست لم تُصغ لصوت الرب، فاختفت من الوجود؛ فيما عدا كنيسة "سميرنا" التي عانت الشدة والضيق، لكن مؤمنيها ثابروا وتمسكوا بإيمانهم، فمدحهم الرب.. وبالرغم من أن كل ما تبقى من هذه الكنيسة اليوم هو فقط علامة طريق بالقرب من مدينة أزمير بتركيا تشير إلى المكان الذي كانت توجد فيه، إلا أنني أثق أن كنيسة سميرنا قائمة الآن في السماء. 

بهذه الكلمات أدعوكم لقراءة الرسائل السبع للكنائس المذكورة في سفر الرؤيا: 

  • أفسس (2: 1- 7): لقد تركت محبتك الأولى؛ فاذكر من أين سقطت وتب. 
  • سميرنا (2: 8- 11): لا تخف مطلقًا مما أنت عتيد أن تتألم به. 
  • برغامس (2: 12- 17): عندي عليك أنك مزجت الحق بالتعاليم المضلة. 
  • ثياتيرا (2: 8- 29): أنا عارف أعمالك ومحبتك وخدمتك وصبرك.. تمسك بإيمانك إلى أن أجيء. 
  • ساردس (3: 1- 6): لك اسم أنك حي وأنت ميت.. كن ساهرًا، وشدد ما بقي حتى لا يموت. 
  • فيلادلفيا (3: 7- 13): لأنك صبرت كما أوصيتك، أنا أيضًا سأحفظك في وقت المحنة.. تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك. 
  • لاودكية (3: 14- 22): كل مَنْ أُحبه أوبخه وأُدبه؛ فكن غيورًا وتُب.. مَنْ يغلب سيجلس معي في عرشي. 

بينما تقف أمام رسالة كل كنيسة ضع يديك على جانبي رأسك للتأكد أن لك أذنين لتسمع ما يقوله الروح القدس لك.. حتى نلتقي في المرة القادمة.


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ 23 ديسمبر/ كانون الأول 2012)

Copyright © 2012 Focus on the Family Middle East. All rights reserved  .