بقلم: سامي يعقوب

للمزيد من هذه السلسلة:

في مواجهة الافتراءات ١ 

في مواجهة الافتراءات ٢


من أحب الشخصيات التي نسعد باستضافتها كأسرة في غرفة معيشتنا سليمان الحكيم.. ونحن نحرص على اللقاء بانتظام معه على صفحات ما سجله بروعة من خبرة حياته في سفر الأمثال. وقد اختبرنا في العلاقة مع هذا السفر عبر السنين  أن ما يأتي بحكمة سليمان إلى حياتنا اليومية هو التدرب على أن ننظر من خلال النص إلى حياتنا الشخصية، ثم ننتقل به وكأنه "عدسة" مكبرة لننظر إلى العالم من حولنا، فنستنير بما يمكن أن نسلك طبقًا له، ونرى علاقة الحكمة الإلهية بالنجاح والفشل في الحياة إجمالاً، وفي العلاقة مع الآخرين بشكل خاص. في الأيام الماضية، وأنا مشغول بما أسمعه من افتراءات على كل ما هو مسيحي، وجدت كلمات سطّرها الحكيم بهدوء لا ينقصه الحسم، تصف الكثير مما يطل علينا من بعض القنوات الفضائية، وفي نفس الوقت تعلن بوضوح الموقف الإلهي من: "هذه الستة يبغضها الرب، وسبعة هي مكرهة نفسه: عيون متعالية، لسان كاذب، أيد سافكة دمًا بريئًا، قلب يُنشىء أفكارًا رديئة، أرجل سريعة الجريان إلى السوء، شاهد زور يفوه بالأكاذيب، وزارع خصومات بين إخوة" (أمثال ٦: ١٦ـ ١٩).

لقد توقف حديث اللقاء السابق عند السؤال كيف يمكننا أن ندرب أبناءنا على التعامل بحكمة مع المقاومين. ولعلي أظن أنه لا يخفى على أحد أن هذا السؤال يمثل أهمية خاصة في ظل تداعي الظروف الحالية في الوطن.. تُرى هل ننصح أبناءنا بتجنب المشاكل إذا واجهوا هجومًا أو تشكيكًا فينسحبون بهدوء؟ وإذا كان اختيارهم أن يواجهوا، فبأي روح يمكنهم أن يفعلوا هذا؟

 

ربما أول ما يساعد الابن أو الابنة على الاحتفاظ بهدوئه هو أن يحدد لنفسه عما إذا كان سيتجاوب مع المقاوم أم لا. أحيانًا يكون من الضروري أن يقدم الواحد منا ردًا على اتهام زور أو سؤال يهدف إلى التشكيك؛ ببساطة لأن تجنب المواجهة قد يكون له آثار سلبية.. لكن في أوقات أخرى يكون تجاهل الأمر هو الاختيار الأفضل. المهم في الحالتين أن يستمعوا جيدًا لما يقال لهم في ضوء إدراكهم لشخصية وخلفية الذي يتحدث إليهم. عندما يجرب الواحد منا برد فعل انفعالي وسريع، دفاعًا عما يؤمن به، ربما ينطق بما يمكن أن يندم عليه فيما بعد.. أما الاستيعاب الهادىء للهجوم اللفظي من الآخر يُتيح الفرصة للرد الحكيم، وإن لم يكن في الحال، إلا أنه يُعطي مساحة للتجاوب فيما بعد، ويترك الباب مفتوحًا لاستمرار الحوار.

في مثل هذه المواقف، ما يُظهر جوانب القوة في شخصية الأبناء هو قدرتهم على التكلم بالحق.. فلنعلِّم أبناءنا إذن ألا يستخدموا في مواجهة الاتهامات الباطلة سوى الحقائق والمعلومات التي يعرفونها جيدًا، والتي يستطيعون تعليلها.. السخرية من معتقدات الآخر لا تفيد شيئًا بل تزيد من العداوة، وتحول ما نقوله إلى رد فعل انتقامي. الحق الذي نؤمن به له قوته، ولا يحتاج إلى مبالغة أو انفعال لنقنع به الآخرين. من أجل ذلك لنشجع أبناءنا أن يجتهدوا ليتعلموا؛ فالمعرفة قوة.. بقدر ما يطور أبناؤنا مقدرتهم على التفكير فيما يؤمنون به سيتحلون بالصبر والتوازن، اللذين سيمكنانهم من التعبير بصدق عن إيمانهم بينما يتحاورون مع أصدقائهم.

 

في مواجهة الساخرين من إيماننا، ليكن أبناؤنا رجالاً في الإيمان.. والتدرب على هذا النوع من الرجولة غير قاصر على أبنائنا الصبيان، فهو للصبايا أيضًا.. وليس هناك ما يقوي أبناءنا إلا الحوار اليومي معهم عما سمعوه من أفكار مقاومة. فبالتواصل المستمر معهم لن نسمح للاتهامات الباطلة أن تحبطهم، والتعامل معها أولاً بأول سيحد من تأثيرها عليهم، فلا تنفرد بهم الشكوك والمخاوف.

"إن قال أحد: إني أحب الله وأبغض أخاه، فهو كاذب. لأن مَنْ لا يحب أخاه الذي أبصره، كيف يقدر أن يُحب الله الذي لم يُبصره؟" (١يوحنا ٤: ٢٠).. السؤال الصعب هنا تُرى هل يمكن أن نحب أخًا في الوطن يطل علينا من نوافذ الفضائيات، ويسبنا، ويهين معتقداتنا، ويلقي علينا بما يفيض به قلبه وعقله من كراهية وافتراء وأكاذيب؟ الإجابة على هذا التساؤل أصعب من السؤال نفسه! لكن الله لا يطلب منا ما لا نستطيع أن نفعله. والرسول بولس قدم حلاً لهذه المعضلة عندما أخبرنا أننا يمكن أن نختبر محبة الله لنا في أوقات الضيق، وبالتالي يمكن أن نحب الآخرين ليس من قدرتنا بل "... لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا" (رومية ٥: ٤).. والفعل "انسكب" هنا جاء في اللغة الأصلية للنص في زمن الماضي التام ليُعبر عن أن الروح القدس يغمر حياتنا بالمحبة الآن بناءً على عمل أتمه الله في الماضي عندما مات المسيح من أجلنا (رومية ٥: ٦).

 

كم من مرة رأيت انبهار أصدقاء من خارج دائرة الإيمان المسيحي بقول رب المجد: "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم؛ لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات... لأنه إذا أحببتم الذين يحبونكم، فأي أجر لكم؟" (متى ٥: ٤٣ـ-٤٦).. و"يثبتني" (بلغة أولادنا) أولئك الأصدقاء بتعليقهم على هذا النص أنه النور الذي يُشرق بالرجاء في عالم مظلم يسعى "حارق الإنجيل" وإخوانه أن يزيدوه ظلامًا!


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٣ مارس/ آذار ٢٠١٣) 

Copyright © 2013 Focus on the Family Middle East. All rights reserved