بقلم: سامي يعقوب

فاجأنا البابا بنديكت بقرار اعتزاله كرسي البابوية في خطوة لم يسبقه إليها أحد منذ مئات السنين، وفي حديثه الوداعي أمام عشرات الآلاف الذين تجمعوا في ميدان القديس بطرس بالفاتيكان، تحدث عن سنوات بابويته، وكيف تخللتها أوقات من الفرح والنور، ولحظات صعبة بدا فيها ـ بحسب قوله ـ أن الرب نائم! ثم شرح ما يقول مستخدمًا اجتياز التلاميذ للعاصفة في وسط بحر الجليل، وقال: "لقد أعطاني الله أيامًا كثيرة شمسها مشرقة، وريحها كالنسيم، وصيدها وفير. لكن في الأوقات التي اشتدت فيها العواصف والأمواج، كنت واثقًا دائمًا أن الرب موجود في القارب، وأن القارب نفسه ليس ملكًا لي، بل ملكًا له، وهو الذي لن يدعه يغرق." وبينما كنت أكمل قراءة خطاب البابا في جريدة الهارلد تريبيون (عدد الخميس ٢٨ فبراير) لم أستطع أن أمنع نفسي من التفكير في عدم التوافق بين الأجيال في كنائسنا، ووجدت فيما قاله عن الكيفية التي اتخذ بها قراره مقياسًا لنضج القيادة المسيحية: "شعرت أن قوتي وجهدي يخفتان؛ فصليت للرب بإصرار أن يُنير ذهني بنوره ليجعلني قادرًا على اتخاذ القرار الصحيح، ليس لأجل شخصي، بل لخير الكنيسة ."

 

ترى إلى متى يتمسك قدامى المحاربين بمواقعهم في الخدمة؟ لا أحد يستطيع تجاهل مشاعر الاغتراب التي يعاني منها شبابنا لإحساسهم أن لا وجود لهم على خريطة عمل الله داخل الكنيسة.. أولادنا ينالون ثقة المجتمع الخارجي، ويؤتمنون في أعمالهم على مسؤوليات يستخدمون لإنجازها مواهبهم الخلاقة، ومهاراتهم في القيادة وتوظيف المصادر؛ بينما لا تتاح لهم فرصة قيادة الخدمة. هؤلاء إن لم يتركوا الكنيسة فإنهم يشعرون أن أساليب الخدمة في وادٍ والعالم في وادٍ آخر.. من هذه الفجوة يتسلل الجمود إلى الخدمة بالكنيسة. من الواضح أن الأمر يحتاج  إلى استنارة إلهية تشجع من طال بهم الزمان في موقع قيادي أن يتخذوا القرار الصعب.. هذا لا يعني إطلاقًا التخلي عن الخدمة، بل على العكس يفتح مجالاً آخر نحتاج فيه لخبرة العمر وحكمة السنين .

 

الحق الكتابي والعقيدة قيم لا تتغير مع الزمن، وصراع الأجيال لا ينشأ من الخلاف عليهما، بل يتعلق بكيفية معايشة الحق في ضوء معطيات واحتياجات مجتمع اليوم. وما زاد عدم التوافق تعقيدًا هو التقدم التكنولوجي، سواء في أساليب التعليم والتعلم أو التواصل بالميديا الاجتماعية. نحن الكبار بطبيعتنا ننظر إلى الوراء أكثر مما ننظر إلى الأمام، وبحكم السنين أصبحنا محافظين أكثر من مجددين، وهذا يفقدنا جرأة أن نحلم لبناء المستقبل كما يفعل أبناؤنا؛ فننعزل بشكل أو آخر عن ديناميكية العصر الذي يعيشون فيه. ما أنار به الله قلب البابا بنديكت من حكمة استجابة لصلاته يمكن أن يكون إلهامًا لنا جميعًا في هذه المرحلة: "أن تحب الكنيسة يعني أيضًا أن تكون لك الشجاعة أن تتخذ قرارات صعبة !" 

 لقد وحد الإنجيل بين الناس بغض النظر عن خلفية أجناسهم.. فقرهم أو غناهم، كما ساوى بين الرجل والمرأة في القيمة. الإنجيل أيضًا يجمع أجيال الكنيسة في وحدة الإيمان والهدف المشترك لخدمة الله.. الكبار لديهم كنز حكمة وخبرة الأيام، والصغار تملأهم طاقة وحيوية الشباب، وتحركهم الرؤى والأحلام. ومحبتنا للكنيسة تعني أن ندرك ما قصده الحكيم بقوله: "لكل شيء وقت". وقد أعطانا الرسول بولس خارطة طريق بما كتبه إلى تلميذه تيموثاوس: "ما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناسًا أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضًا ."

 

لقد وجدت صعوبة أن أكتب هذه المناداة للمحاربين القدامى مثلي، ولمن هم في حكم آبائي: إذا أردنا إحياءً وتجديدًا للخدمة في كنائسنا علينا أن نسلم المسؤولية للجيل الأصغر.. والاختيار أمامنا الآن بين أن نفكر كيف سنفعل هذا بحب وثقة في أقرب فرصة، أو نستمر في إنكارنا لضرورة اتخاذنا لهذه الخطوة؛ وفي النهاية الكنيسة هي التي تجني الثمر أو تدفع الثمن. إذا أزعجك هذا الحديث، ما عليك إلا أن تصلي كلمات البابا بنديكت قبل أن يقرر العودة لخدمة الله من موقع يناسب معطيات مرحلة عمره حتى يكمل بسعي جهاده .


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٣١ مارس/ آذار ٢٠١٣) 

Copyright © 2013 Focus on the  Family Middle East. All rights reserved  .