بقلم: سامى يعقوب

ذهبت للقاء الأحباء في أسيوط، وتركتهم لأقضي بعض الوقت أتفحص آثار هجوم بلطجية المتأسلمين على كنائس وممتلكات الأقباط بشارع قلتة، والذي يمثل كل ركن فيه نبعًا لا ينضب من ذكريات رائعة لبعض من أجمل أيام العمر. وبينما امتلأ القلب بالحزن، لفداحة الدمار الذي أحدثته الحرائق، وبسبب الحقد الأعمى الذي دفع متشددين ومأجورين ليفعلوا ما فعلوا بأماكن العبادة المقدسة، وبأرزاق العباد أيضًا.. وجدت نفسي أقف طويلاً أمام علم بلادي المعلق عاليًا على جدران كنيسة مارجرجس معلنًا للآلاف الذين يكتظ بهم هذا الشارع نهارًا وليلاً: «نحن نغفر!»

لا أشك لحظة أن صاحب الفكرة العبقرية لاختيار علم مصر كخلفية وطنية للإعلان عن أحد أهم قيم الإيمان المسيحي للتعامل مع الإرهاب في كلمتين، هو عمود الدين الأسيوطي: «أنبا ميخائيل». والحكمة في هذه الرسالة البليغة أنها موجهة لشركاء الوطن؛ حتى لا يظنوا أن الكنيسة تأخذهم بذنب ما فعله الغوغاء بها. وفي نفس الوقت إنها دعوة لشعب الكنيسة أن ينفض عنه غبار كراهية الآخر غير المبررة، وأن يجدوا تعزية من جديد في كل مرة يتوحدون فيها مصلين: «اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا». المغفرة قوة لا يعرف مداها إلا من غُفر له بدم المسيح.. «نحن نغفر» بروجي نوبة صحيان انطلق مدويًا في أسيوط، فسمعه العالم أجمع، يعلن أن أقباط مصر يستطيعون بالمغفرة أن يصنعوا فرقًا!

ربما يكون رد الفعل الطبيعي للإرهاب هو الغضب والكراهية.. لكن إذا تركنا هذه المشاعر تتعمق في داخلنا فلن تختلف دوافعنا إذن عن تلك التي تحرك الإرهابي ليحرق مؤسسة أو يقتل جنديًا. هنا يمكن للمغفرة أن تصنع فرقًا.. فرقًا في فكر الذي ظن أنه يقدم خدمة لله بما يفعله من شر، وفرقًا عندما نسمح للروح القدس أن يحول مشاعر الغضب داخلنا إلى عزيمة لنقوم ونبني ما قد دُمر، وأن يُبدل الكراهية إلى فيض من المحبة يُطفىء نار الرغبة في الانتقام.

وبينما تهدأ الأمور لاحظت أنواعًا أخرى من ردود الأفعال لدى الكثيرين. فما حدث بالرغم من أنه بدد ما كان يشعر به الناس من أمان قبل فض اعتصامي رابعة والنهضة، إلا أنه هز أيضًا شعورهم بالرضا عن علاقتهم بالله.. فمع زحام مسؤوليات الحياة، والغلاء المتصاعد، والإحساس باليأس ظنًا أن الله قد تخلى عن شعبه تحت وطأة ما صوره ضجيج المعزول وجماعته عن مستقبل البلاد، ووضع الأقباط في الدستور المسلوق، بدا أن البعض انزلقوا إلى أسلوب حياة «الذين لا رجاء لهم». أعتقد أن تغييرًا مثيرًا قد حدث في حياة الذين أدركوا احتياجهم إلى علاقة حية مع الله أكثر من ذي قبل. أما الملاحظة المثيرة حقًا، فهي ما نسمعه أن كثيرين من خارج الحظيرة بدأوا بعد الأحداث رحلة بحثهم عن ذلك الإله الذي يُعطي قوة لأتباعه ليغفروا لمضطهديهم.. هكذا تصنع الكوارث فرقًا!

لعلنا نتساءل هل نحن مقبلون على موجة جديدة من الأعمال الإرهابية التي تهدد حياتنا وأنشطتنا اليومية، فتعيق خروجنا لأعمالنا، وذهاب صغارنا إلى مدارسهم بعد أيام؟ لقد بدا من محاولة اغتيال وزير الداخلية أن الإرهاب أخذ شكلاً لا ينقصه العنصر التكنولوجي، ويحوطه نفس مقدار الغدر الذي أصاب كنيسة القديسين.. فماذا يمكننا أن نفعل الآن؟ الإجابة نجدها في مزمور ٩١ .. المزمور الذي يلجأ إليه الناس في أوقات الشدة والخوف، وفي مثل الظروف التي تحيط بنا هذه الأيام ليس مثل كلماته يمكن أن تُسكن الطمأنينة في قلوبنا.

في العددين ١ و ٢ نقرأ عن اختبار السلام عندما تكون بيوتنا في حماية الله.. الوجود في ظل القدير يعني التمتع بحضوره في وسطنا، وهذا لا يتحقق إلا باللقاء اليومي معه على صفحات الكتاب المقدس. الأسماء الأربعة لله في هذين العددين تصف لنا الصور المختلفة لحمايته: «العلي».. الأعظم من أي تهديد نواجهه، «القدير».. القوي في مواجهة الأعداء، «الرب».. اسم يُشير إلى حضوره الدائم معنا، «إلهي».. يُشير إلى اختياره أن يتحد مع الذين يضعون ثقتهم فيه.

الأعداد ٣ ـ ٦ تشرح مجالات الحماية الإلهية، خاصة من النكبات التي لا نتوقعها، أو التي تأتينا فجأة. ما دمنا لا نستطيع أن نؤمّن أنفسنا ضد كل خطر محتمل، علينا أن نثق أن الله لن يدعونا للعودة إليه قبل أن نتمم الأيام التي أعطاها لنا لنعيشها.

لكن ماذا إذا لم يتدخل لينقذنا؟ يجيب على هذا التساؤل الفتية الثلاثة في مواجهة تهديد نبوخذ نصر: «هوذا يوجد إلهنا الذي نعبده يستطيع أن ينجينا من أتون النار المتقدة، وينقذنا من يدك أيها الملك. وإلا فليكن معلومًا لك أننا لا نعبد آلهتك...» (دانيال ٣ : ١٧ و ١٨).. «وإلا» في اللغة الآرامية للنص تعني: «وحتى إن لم يفعل».. حتى إذا لم ينقذنا، وسمح بأن نعاني الاضطهاد، أو الحرق والقتل، سنظل نعبده! ولنلاحظ أنه عندما خرج الفتية من الأتون لم يخرج الرابع الذي جاء ليكون معهم؛ فلعله بقي هناك حتى إذا حدث واجتزت أنت أو أنا اختبار أتون النار نجده هناك لينقذنا!

الأعداد ٧ - ١٠ تؤكد أنه في أوقات الأزمة لا يتعامل الله معنا كجماعة فقط، بل يتدخل بشكل شخصي مع كل مَنْ يتخذه ملجأ، فلا يغلبك أي شر، ولا تدمر الضربات خيمة بيتك وأسرتك. الأعداد ١١ـ ١٣ تعلن أن الله يكلف الملائكة بملاحظة حياة الذين يسيرون في ظل القدير.. وهذه الحماية تمتد لتشمل جميع سبلنا، بينما نكافح كل يوم لندبر أمور معيشتنا، أو عندما نواجه تهديد الأشرار. في حديثه عن الملائكة يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: «أليس جميعهم أرواحًا خادمة مُرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص!» (عب ١ : ١٤ ).

 

أخيرًا يلخص ناظم المزمور عهد الله بالحماية لشعبه في الأعداد ١٤ـ ١٦.. فهو يحمي مَنْ يحبونه بصدق، الذين تتعلق قلوبهم به، ويسرع لنجدتهم عندما يصرخون إليه، ويضمن لهم أيام حياة غير منقوصة، ومملوءة بحضوره وعنايته بينما يعيشون على الأرض، وخلاصًا أبديًا عندما يعبرون إليه.

بهذه المشاركة أرجو أن تكون كلمة الله مصدرًا نستمد منه سلامنا، وبها نُسكن الطمأنينة في قلوب أبنائنا، وبقوتها نستطيع أن نجاوب على كل الذين يسألوننا عن سبب الرجاء الذي لنا وفينا.. وهكذا نصنع فرقًا!


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ١٥ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٣)

.Copyright © 2013 Focus on the Family Middle East. All rights reserved