بقلم: سامي يعقوب

للمزيد من هذه السلسلة:

مسيحيون ولكن.. ١

مسيحيون ولكن.. ٢


تابعت باهتمام الجدل الذي ثار في لجنة الخمسين لإعداد الدستور حول وضع نسبة أو كوتة محددة لتمثيل المرأة في البرلمان، والذي انتهى بإقرار تعديل نص المادة١١ من باب المقومات الأساسية الخاصة بالمرأة، لتصبح: «تلتزم الدولة بتحقيق مساواة المرأة بالرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية واﻻقتصادية واﻻجتماعية والثقافية الواردة بهذا الدستور. وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل مناسب ومتوازن للمرأة في المجالس النيابية والمحلية، وينظم القانون ذلك.» لا أعرف إن كان مثل هذا النص موجودًا في دساتير بلاد العالم المتحضرة.. أعتقد لا! فهذا حق بديهي للمرأة كإنسان لا يحتاج لدستور ينص عليه! والسؤال هنا ماذا يعني أن تحتاج المرأة في بلادنا إلى مادة في الدستور تؤكد حقها في المساواة بالرجل، وإلى قانون ينظم حمايتها ضد كل أشكال العنف؟ ألا يُعلن هذا، وبلا خجل، حقيقة النظرة السائدة في مجتمعاتنا عن المرأة، تأثرًا بفكر رجعي لا يتفق مع تراث ثقافتنا المصرية؟ تُرى بماذا يفكر المسيحيون في قيمة المرأة بحسب ما يعلمه الكتاب المقدس؟

كمدخل لما أريد أن أناقشه في هذا الركن من ”وطني“ عن المفهوم المسيحي عن مكانة وقيمة المرأة بحسب فكر الله، أقتبس هنا بعضًا مما كتبه الروائي اللامع علاء الأسواني في جريدة المصري اليوم (الصادرة في٢٤ سبتمبر ٢٠١٣) تحت عنوان «دفاعًا عن قطعة الحلوى»، في مقال يناقش التناقض بين ما نتشدق به عن مكانة المرأة، ونظرتنا الحقيقية لها..

 كتب الأسواني يقول: ”هذه حقيقة نظرتنا للمرأة مهما ادعينا غير ذلك.. إننا عندما نمدح صلابة إنسان أو شجاعته نقول إنه «راجل بجد» أو أنه «دكر»، وكأن الشجاعة مقصورة على الذكور. وعندما نهدد رجلا نقول له «هنخليك تلبس طرحة»، وعندما يعذب رجال الشرطة معتقلا يمعنون في إذلاله بأن ينادوه باسم امراة.. وكأن الذكورة دليل الشرف والشجاعة، والأنوثة رمز الذل والخنوع.. هذه الأفكار المتخلفة تخلص منها العالم كله، فلم تعد الذكورة امتيازًا ولم تعد الأنوثة نقيصة. الشعوب المتقدمة تعتبر المرأة إنسانًا حدث أنه أنثى، كما أن الرجل إنسان حدث أنه ذكر.“ 

وجدت فيما كتبه الأسواني مرآة تعكس ما قد يخجل منه أي رجل يقف أمامها فيرى حقيقة ما يظنه في باطن فكره، ربما وهو لا يدري، عن المرأة سواء كانت أمه أو أخته.. زوجته أو ابنته.. زميلته أو جارته.. كل امرأة يراها في الشارع، أو يتعامل معها في أي مكان. لكن هناك مرآة أخرى عندما نقف أمامها تخترق أعماقنا، فلا تكشف لنا فقط تفاصيل ما نفكر فيه، لكنها تجدد بقوتها المغيرة أذهاننا متى أتحنا أنفسنا لها.. إنها كلمة الله الحية والفعالة (عبرانيين ١٢: ٤)، التي تجدد أفكارنا فلا تشابه الفكر السائد في هذا الدهر (رومية ١٢: ٢).

 في سفر التكوين الأصحاحين١ و٢ نقرأ عن القيمة التي تحدث بها الله عن المرأة وقت خلقها.. عندما خلق الله كل الأشياء التي في العالم كان يعلن بعد خلق كل منها أنه يراها حسنة.. لكن أول مرة نسمعه فيها يقول ”ليس حسنًا“ كانت في اليوم السادس بعد أن خلق آدم: ”ليس جيدًا أن يكون آدم وحده!“ وتعامل الله مع ما لم يكن من وجهة نظره جيدًا أو حسنًا بأن صنع للرجل ”معينًا نظيره“ (تكوين ٢: ١٨). كلمة "نظيره" في لغة النص الأصلية تعبر عما قصده الله بحكمته أن يخلق الإنسان ذكرًا وأنثى.. فالكلمة تعني مثيلاً له في القيمة، ومختلفًا عنه (أو مناسبًا له) في الطبيعة. وقد أكد الله هذا المفهوم عندما نظر في نهاية ذلك اليوم إلى ما عمله فرآه حسنًا جدًا (تكوين ١: ٣١). تكامل الأدوار مع اختلاف الطبيعة يُلخصه القول المأثور: "وراء كل رجل عظيم امرأة صالحة".. فبينما يستحق الرجال الذين يجاهدون عند الخطوط الأولى في ساحة معركة الحياة أن ينالوا التقدير والمجد، لابد من الاعتراف أنه بدون دعم القوات الخلفية لا يتحقق النصر.. والبيت الذي لا تحمل سقفه أعمدة لا وجود له في الحياة.

إن القيمة الحقيقية للمرأة منذ البدء غير مرتبطة فقط بتصميم الله الخاص لطبيعتها كأنثى، ليحقق بالزواج ما قصده من منظومة الأسرة.. بل وإن الله يتوقع من حياتها كإنسان متفرد بشخصيته ومواهبه وقدراته ما يتوقعه من حياة الرجل أيضًا.. فلقد خُلقت على صورة الله مثله، ولابد أن تسعى في كل ما تعمله أن تعكس حياة المسيح. وإذا فشلنا في ذلك رجالاً كنا أو نساء، عندئذ نفقد قيمتنا كبشر وتصبح حياتنا بلا معنى.. فأي قوامة بحسب هذا المفهوم للرجل على المرأة؟! ترى هل تمنعنا كبرياؤنا من الاعتراف بأن قيمة المرأة لا تقل بأي حال عن تلك التي أعطاها الله للرجل؟ لنا عودة للإجابة عن هذه التساؤلات في المرات القادمة..


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٢٤نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٣)

Copyright © 2013 Focus on the Family Middle East. All rights reserved