بقلم: سامي يعقوب

للمزيد من هذه السلسلة:

مسيحيون ولكن.. ١

مسيحيون ولكن.. ٢


هل يكفي أن ينص الدستور الجديد على حق المرأة في المساواة بالرجل في جميع الحقوق لكي تتغير النظرة السائدة عن المرأة في مجتمعنا؟ وهل المسيحي بحاجة لنص في الدستور أو لقانون لكي ينفض عنه الغبار الذي يعلو قناعاته عن قيمة المرأة بسبب تأثره بفكر العالم.. سواء ذلك الذي يعتبرها مصدرًا للغواية، أو الذي جعل منها، باستخدام التكنولوجيا الحديثة، كائنًا جنسيًا تلتهمه العيون الشهوانية من خلال الميديا الإباحية؟   

النظرة التي تحط من قدر المرأة، وتختصر دورها في الحياة على ما يمكن أن تؤديه من أعمال، أو ما تقدمه بحكم الطبيعة الجسدية التي خُلقت عليها، ليست وليدة العصور الحديثة. في البدء خلقها الله لتكون معينًا للرجل على درجة مساوية له في القيمة، وبتوصيف مختلف في الوظيفة.. لكن بعد السقوط، وقد تولدت عداوة بين المرأة والحية القديمة، يحاول الشيطان في مختلف الحضارات عبر التاريخ أن يُشوه ما عمله الله؛ فيصور المرأة أنها مجرد آلة بشرية خُلقت للجنس وإنجاب الأطفال في أحسن الأحوال.. وفي كل الأحوال    "شغالة كده ببلاش، تخدم الراجل وأولاده، وأحفاده إذا لزم الأمر!"  

المرأة في المجتمعات الوثنية القديمة كانت تُعامل أفضل قليلاً من الحيوانات.. الفلاسفة اليونانيون كانوا يُعلمون بأن النساء مخلوقات من مرتبة أدنى من الرجال. ولم يكن الأمر أفضل كثيرًا عندما ساد الرومان العالم قبل بزوغ الحضارة المسيحية.. فقد كان يُنظر للمرأة عادة وكأنها إحدى الممتلكات الشخصية لأبيها أو لزوجها، دون أي تمييز يُذكر عن الخدم. وبالرغم من أن الأساطير اليونانية والرومانية كانت تروج لآلهة مؤنثة مثل ديانا وأفروديت، إلا أن عبادتهما لم ترفع من مركز المرأة في المجتمع.. على العكس، فمعابد تلك الآلهة كان يخدم بها نساء يبيعن أجسادهن لممارسة الجنس بمقابل مادي، باعتبار هذا جزءًا من العبادة.  ولم يكن ذلك سوى إعلان كراهية وتحقير للمرأة، يناقض بشراسة ما أعطاه الخالق من مكانة للمرأة.

في المجتمع اليهودي، قبل مجيء المسيح، كانت المرأة تعتبر أيضًا نوعًا من المتاع، ملكًا للرجل كأب أو زوج أو ابن.. كما لم يكن لرأي النساء أي اعتبار أو أهمية، وكان يُظن أنهن السبب في كل شر يحدث! إذا تكلمت المرأة مع رجل غريب كانت تُتهم ظلمًا بأن لها علاقة غير شرعية معه، وكان من حق الزوج غليظ القلب أن يطلقها لأتفه الأسباب! لم يكن يُسمح للمرأة أن تأكل في نفس الغرفة التي يجتمع فيها الرجال، أو أن تتعلم الفتيات الشريعة في فصل واحد يجمعهن مع الصبيان.. ولم يكن يسمح للنساء بالدخول إلى ساحة الهيكل للعبادة مع الرجال. وما قد يصعب تصديقه هو أن الفريسي كان يبدأ يومه بتقديم الشكر لله لأنه لم يولد أمميًا، أو امرأة، أو عبدًا! لقد كان موقع المرأة في تلك الأيام بالقرب من قاع المجتمع، ولم يكن لديها أمل في حياة كريمة بدون ارتباطها بالرجل. لكن لماذا نذهب بعيدًا، فما أشبه اليوم بالبارحة!   

أعود لأقتبس بعضًا مما ذكره الروائي علاء الأسواني في مقاله بجريدة المصري اليوم (الصادرة في ٢٤ سبتمبر ٢٠١٣) تحت عنوان   "دفاعًا عن قطعة الحلوى  "  ، نقلاً عن رأي أحد الدعاة الوهابيين فيما يتعلق بنظرتهم للمرأة:    "لنفترض أن رجلاً اشتاقت نفسه إلى أكل الحلوى وأمامه قطعتان، واحدة ملفوفة تمامًا في السلوفان، والأخرى مكشوفة يتراكم عليها الذباب.. أيهما يختار؟ قطعًا سيفضل الرجل أن يأكل قطعة الحلوى الملفوفة، وسيشمئز من الحلوى المكشوفة المغطاة بالذباب.. لهذا يفضل الرجل الزواج من المرأة المحجبة، لأنها كالحلوى الملفوفة تحتفظ بحلاوتها لزوجها، بينما المرأة غير المحجبة مثل الحلوى المكشوفة متاحة للجميع ويتراكم عليها الذباب!" وعلق الأسواني على هذا الكلام قائلاً: "بالإضافة إلى التحريض على احتقار النساء غير المحجبات (بمن فيهن المسيحيات)، فإن كلام هذا الداعية يعكس نظرة الوهابيين للمرأة.. خلقها الله لكى نستمتع بها نحن الرجال… لا عقل لها ولا مشاعر ولا إرادة." والسؤال الآن لكل منا، بينما نعيش في مجتمع يصارع مع هذا الفكر الرجعي المنغلق: أي فكر تحمله كمسيحي في أعماقك تجاه المرأة؟ هل أنت مسيحي دينًا، ولكن...؟ 

في الوقت الذي لم يكن الرجال يعطون كرامة للمرأة في أيام المسيح، قلب هو الموازين، وأصلح ما حاول الشيطان أن يفسده.. فخرج على التقاليد المجتمعية الظالمة والقبيحة، ورحب بوجود النساء بالقرب منه، ودعمهمن، واهتم  باحتياجاتهن.. أنقذ بعضهن من ماضيهن المؤلم، وحرر أخريات من سيطرة الأرواح الشريرة.. لم يُدن التي أمسكت  في ذات الفعل، وشفى نازفة الدم.. ناهيك عن تلك التي سكبت الطيب على رأسه، فقال أن يُكرز بما عملته حيثما يُكرز بالإنجيل. لم يُقصر تعليمه للرجال في المجمع، وخرج ليعلم على الجبل وعند البحر، حيث كانت النساء تجلس في الصفوف الأولى. تحدث مع السامرية عند البئر، واستخدم أمثالاً في تعاليمه يمكن للمرأة أن تفهمها بسهولة.. كالدرهم المفقود، وفعل الخميرة في العجين.

بالطبع لم يميز المسيح المرأة عن الرجل، فعلاقته مع الرجال والنساء الذين تبعوه كانت مرتبطة بإيمانهم بالله، وتصديقهم لحقيقة أنه المسيّا المخلص. لكني قصدت بهذا العرض السريع لأسلوب المسيح في التعامل مع المرأة أن أضع تحديًا أمامنا جميعًا أن ننظر إلى وراء ما فرضه العالم على نظرتنا كمسيحيين للمرأة، لنتبع إثر خطواته؛ حتى نعكس بتجديد نظرتنا للمرأة صورة لأسلوب حياته ومحبته أمام جيل أبنائنا، وكل الذين نعيش بينهم.. لعلنا ننقذ نفوسًا من الهلاك، وعائلات من تأثير الرفض والاحتقار للزوجة أو الابنة، للجارة أوالزميلة.. لكل امرأة نقابلها أو نتعامل معها. بهذا فقط نكون مسيحيين بدون "ولكن"!


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٨ ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٣)

Copyright © 2013 Focus on the Family Middle East. All rights reserved