Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب 

للمزيد من هذه السلسلة:

                              الفشل بداية وليس نهاية ٢

 

 

    أنا واحد من مئات الآلاف الذين فشلوا عبر السنين في الفوز في سباق ماراثون اختراق ضاحية "الثانوية العامة". ولابد من الاعتراف بأنني كنت أظن آنذاك أن النجاح في الحياة مرتبط حصريًا بدراسة أو مهنة معينة، أدركت فيما بعد أن الناس يعطونها على غير حق أكثر مما تستحق.

 لم تكن الخبرة مؤلمة فقط لأني لم أحرز الدرجات المرتفعة، لكن أشد ما آلمني هو إحساسي فجأة أن قيمتي كإنسان أصبحت تساوي المجموع الذي حصلت عليه، في موسم المقارنات، ومهرجان مظالم مكتب التنسيق! واليوم أنا على يقين أنه ما لم أفشل في تحقيق النتيجة التي يظن الناس أنها تعد الشخص لمستقبل أفضل، لما استطعت أبدًا أن أهتم بتنمية شخصيتي فأتقوى لأواجه مخاوفي.. وما اختبرت حقيقة أن قوة الإرادة والإصرار الإيجابي هما المخاض الذي يُخرج النجاح من رحم ما يُظن أنه فشل. وأعود لأشهد مرة أخرى على الملأ أن كل ”لا “ أحبطتني كانت من أجل ”نعم “ أسعدتني؛ ولو كان الـله قد استجاب حرفيًا لكل ما صليت لأجله في مقتبل عمري، لكنت اليوم من أتعس الناس !

   
ابنك أو ابنتك لم يحقق النتيجة التي كنت تتمناها له أو لها.. مبروك، هذه فرصة ذهبية لكي تأخذ بيده، وتدعمه ليستكشف طرقًا جديدة للنجاح في الحياة خارج نظام التعليم العقيم، الذي يخرط العقول بلا تمييز بقالب واحد على مقاس شباك مكتب التنسيق! أنا لا أستهين بمشاعر إحباطك، لكني أريد كأب مختبر أن ألفت انتباهك إلى أن ما يؤهل أبناءنا للنجاح في الحياة هو القدرات المتعددة التي أودعها الخالق فيهم عندما نسجهم في بطون أمهاتهم قبل أن يولدوا، وقطعًا ليس بنتيجة الثانوية العامة أيًا كانت، أو بقدراتهم على التحصيل الدراسي.

   
لقد أثبتت الأيام أن الفشل في الدراسة يمكن أن يكون خطوة أولى نحو النجاح في المستقبل.. الكثيرون ممَنْ هم في قمة النجاح اليوم، أو الذين يحكي التاريخ عن نجاحاتهم، قد حققوا ذلك من خلال تطوير مقدرتهم على التعامل مع العقبات في كل مرة أخفقوا فيها. وبالرغم من رأي الناس فيهم، وتعرضهم للظلم مرات، إلا أن أحد أسرار صمودهم كان في وجود شخص أو أكثر حولهم أعاد بالقبول والتشجيع تأهيلهم للجولة الثانية؛ فعبروا النفق المظلم للإخفاق، وحققوا نجاحًا أعظم من المتوقع. الأمثلة المعاصرة لهذه الحقيقة أكثر مما يمكن أن تذكر هنا، وأكتفي بالمثال الذي صنع تاريخ إيماننا كأقباط مصر.

    يوحنا مرقس شاب اختبر مرارة الفشل في بداية خدمته.. فقد صاحب الرسول بولس وآخرين في رحلته التبشيرية الأولى، ولم يستطع أن يكملها معهم فتركهم وعاد إلى بيته. وفيما بعد لم يكن بولس على استعداد أن يعطيه فرصة أخرى عندما طلب منه رفيقه برنابا أن يذهب مرقس معهما في رحلتهما التبشيرية الثانية، بحجة أن الذي فارقهما من قبل يستحسن ألا يأخذانه معهما مرة أخرى (أعمال ١٥ : ٣٦ - ٤٠).  لكن الحكم بالفشل على مرقس لم يكن نهائيًا؛ فقد رفض برنابا أن يترك ابن أخته ضحية لماضيه؛ وافترق عن بولس، وضمه إليه ليعملا معًا.. وقد استخدمهما الرب بقوة في عصر الكنيسة الأولى. وذاع خبر تحول فشل مرقس المؤقت إلى نجاح وبركة للكنيسة؛ حتى أن الرسول بولس عاد وكتب إلى تلميذه تيموثاوس يقول: «خذ مرقس وأحضره معك لأنه نافع لي للخدمة» (٢ تيموثاوس ٤ : ١١ )..

تُرى هل استخدم اللـه فشل القديس مرقس في البداية ليحول مسار دعوته فينتهي به الأمر ليكون كاروز الديار المصرية؟ هل ترون كيف يتمم اللـه مقاصده العليا من خلال فشل ما يسمح به في حياة الأفراد، لكي يصنع فرقًا في حياة عدد غير محدود من البشر؟ إذا كنت تؤمن أن اللـه لم يفاجأ بنتيجة ابنك أو ابنتك، وأنه لا يضيع أي فرصة يمكن أن تبني حياتهم؛ فالتحدي أمامك اليوم أن تجد سلامك في الوعد: «إني عرفت الأفكار التي أنا مفتكر بها عنكم يقول الرب، أفكار سلام لا شر لأعطيكم آخرة ورجاء (مستقبلاً). فتدعونني وتذهبون وتصلّون إلي فأسمع لكم. وتطلبونني فتجدونني إذ تطلبونني بكل قلبكم» (إرميا ٢٩ : ١١– ١٣).

   
كتب القديس يوحنا ذهبي الفم أن مريم أم مرقس كان لها دور فعال في عدم ضياع ابنها في غياهب الإحساس بالذنب، أو الشعور بعدم الاستحقاق، عندما فشل في بداية خدمته.. فهي التي أوصت برنابا أخاها على ابنها،  وطلبت منه أن يهتم به حتى يتعلم الخدمة. ومع أن الحظ لا يصنع النجاح، إلا أن الأبناء المحظوظين هم الذين يجدون هذا النوع من التشجيع في بيوتهم من أم مثل مريم، وأب وخال أو جد مثل برنابا الذي يعني اسمه «ابن التشجيع».

    يا كل أب وأم تقرأ هذه الكلمات، إن كان في بيتك أحد ضحايا نتائج الثانوية العامة، أشجعك أن تنفض عن نفسك غبار الغضب، وأن تسمح برضا وقبول لعمل النعمة الإلهية أن تصيغ مستقبل ابنك أو ابنتك.. أدعوك أن تقوم الآن وتحتضن ابنك الجريح أو ابنتك المحطمة؛ لتشجعه ليقف من جديد على قدميه، وتمسح دموعها فترى أن نتيجتها تأخذها لمرحلة جديدة من الكفاح. لقد خرج أبناؤنا للتو من معركة استعدوا لها بقدر ما استطاعوا، لكنهم خسروها في ظل نظام تعليمي بائس عمل ضدهم، أو ظلم وفساد سلبهم على غير توقع فرحة الفوز في هذه المعركة. إنهم في أشد الاحتياج لوقوفك بجوارهم في هذا الوقت..

 عندما يصاب الجنود في معارك الشرف فإنهم يخلون عادة من الخطوط الأمامية لتضمد جراحاتهم ولإعدادهم للنصر في المعركة التالية. يؤسفني أن أرى وسائل الإعلام تخدع البعض فيقتلون أبناءهم معنويًا باللوم والمعايرة وإظلام الدنيا في وجوههم بدلاً من إعادة تأهليهم بالحب لقبول حقيقة أن الفشل ما هو إلا أحد أهم مراحل النجاح.. فمن العجيب أن تركز برامج «التوك شو» على القلة التي أحرزت الدرجات مع أنهم سيختفون عن المسرح سريعًا، وتتجاهل من حُكم عليه بالفشل في السنين الماضية؛ لأنه كان من أهل كليات «القاع » بينما أصبح اليوم من أرباب «القمة » في عالم النجاح. فهل أنت من الذين يقتلون، أم أنك أب مثل برنابا وأم مثل مريم أم مرقس؟ أرجو أن تفكر مليًا في هذا السؤال قبل أن تلقي بهذه الكلمات جانبًا، وللحديث بقية في المرة القادمة..


نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٣١ يوليو/ تموز٢٠١٦

Copyright © 2016 Focus on the Family Middle East. All rights reserved