Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب

المزيد من هذه السلسلة:

                         الفشل بداية وليس نهاية ١


ليس خافيًا على أحد أن أسوأ ما عانت منه عائلاتنا في الأشهر الماضية كان الخوف من ألا يحقق الأبناء الدرجات التي تؤهلهم للدراسة الجامعية التي يتمنونها.

والآن وقد ظهرت النتائج، وأصبح هناك واقع يختلف كثيرًا أو قليلاً عما كنا نريده لهم؛ لابد أن نتعامل معه بالطريقة الصحيحة التي تعدهم للمستقبل الذي أفقدتنا «الثانوية العامة»، بحسب المقاييس البشرية، فرصة تحديده.. «لأن اللـه لم يعطنا روح الفشل-(أو الخوف) بل روح القوة والمحبة والنصح (أو الفهم)» (تيموثاوس الثانية ١: ٧ ).. لكن كيف؟

 

    الندم على ما نظنه قد فات الأبناء فرصة تحقيقه، وإحاطتهم بمشاعر الشفقة أو اللوم، وإن لم يعبر عنهما بالكلام، من الأمور التي تسلبهم شجاعة قبول تحدي تغيير اتجاه التفكير النمطي عن معنى النجاح. إن ما نراه اليوم إخفاقًا لابد أن تثبت الأيام أنه لم يكن سوى «تحويلة» غيرت المسار فقط، لكنها جنبتهم الدخول في طريق مسدود!

    سمعت كثيرين يقولون إن الحاصل على تسعين في المية "رقص على السلم، ولا طال فوق ولا نزل تحت".. بالطبع هذا صحيح ما دمنا نتمسك بالتفكير التقليدي فيما يشكل حياة الأبناء؛ أما إذا وجدنا هذه فرصة لمراجعة نظرتنا عن مدى تأثير نوعية الدراسة في تحديد ما يمكن أن ينجزه الأبناء من نجاح في المستقبل، سنستطيع أن نرشدهم لينطلقوا إلى عالم جديد من تحقيق الذات بلا ضغوط، والتفكير الخلاق فيما يصنع النجاح الحقيقي في المستقبل من خلال فرص أخرى لم تكن أعينهم مفتوحة عليها.. «في قلب الإنسان أفكار (مقاصد وأحلام) كثيرة، لكن مشورة الرب هي تثبت» (أمثال ١٩ : ٢١ ).. والمعنى هنا أننا لا يمكن تجاهل دور اللـه «ضابط الكل» في قيادة حياتنا وصنع مستقبل أبنائنا.

 

    المستقبل ليس مثل الآلة الحاسبة نضع فيها درجات الأبناء فنحصل على مستقبل محدد! التخلي عن وجهات النظر التقليدية التي تربط النجاح بمكتب التنسيق يتطلب منا كأبوين اتضاعًا لنقبل يد اللـه تقود أبناءنا في الطريق الذي يراه هو الأفضل لهم، وبنفس القدر يتطلب انفتاحًا على ما تقوله كلمته المقدسة عن هذه القيادة، وكيف يحقق مقاصده العليا في الحياة، ليس فقط من خلال ما يحدث في حياة الأفراد بل أيضًا مما يحدث في حياة آخرين لا نتخيل أبدًا أن شكل مستقبلنا يرتبط بهم من بعيد أو قريب.. هذه هي القدرة الإلهية العجيبة التي تضع قطعة البازل في مكانها الصحيح فتكتمل الصورة.. «يا رب أعرف أن البشر عاجزون عن رسم طريقهم، وتسديد خطواتهم بأنفسهم» (إرميا ١٠ : ٢٣، الترجمة العربية المشتركة).. يا ليت هذه الكلمات تشرق نورًا في قلب وفكر كل مَنْ لايزال يشعر بالإحباط بسبب النتيجة غير المرضية لابنه أو ابنته.

 

    الإخفاق المؤقت الذي يجتازه الأبناء في هذه المرحلة من عمرهم يخلق لهم فرصة غير عادية ليتحرروا من قيود فرضها عليهم الفكر السائد في المجتمع عن قيمة واستحقاق الإنسان، ويخرجهم من وراء أسوار أساليب التعليم البالية التي حبستهم لسنين بحفظ ما لا يرون أن له علاقة بحياتهم العملية أو مستقبلهم المهني.. كما يمكن أن يطلقهم إلى عالم جديد فيه  يختبرون قفزات نوعية تملأ أيامهم بحيوية الاجتهاد، وتُشغل طاقاتهم الكامنة؛ فتُخرج منهم أفضل ما لديهم. لكن هذه الانطلاقة العظمى لا تبدأ في التحقق ما لم نسمح لهم كآباء بالقبول غير المشروط  لما هم عليه شكلاً ومضمونًا.. إن أعظم بركة يمكن أن نبارك بها أبناءنا بينما يحاولون تحقيق أهدافهم وأحلامهم للمستقبل هي مساعدتهم على ألا يستسلموا، بل أن يبدأوا سعيهم من جديد من حيث انتهت بهم الأمور.. من خبرته في هذا المجال يقول الرسول بولس: «لكني أفعل شيئًا واحدًا: إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام.. أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع» (فيلبي ٣: ١٣- ١٤).

 

    الإخفاق يدرب أبناءنا مبكرًا على تحمل المشقات،  ويصقل قدرتهم على التعامل مع تحديات ومخاوف الحياة.. ولا ننسى أن  النجاح في النهاية لا يقاس بحجم الإنجاز، بل بمقدار العقبات التي يتغلب عليها الابن أو الابنة بينما يحاول الواحد منهم أن ينجح.. «الرخاوة لا تمسك صيدا، أما ثروة الإنسان الكريمة فهي الاجتهاد» (أمثال ١٢ : ٢٧).. بمراجعة اللغة الأصلية التي كتب بها النص، وجدته يعني أن الحياة الناعمة والسهلة لا تصنع نجاحًا، وأما قيمة الإنسان الحقيقية فتثبت بقدرته أن يتغلب على المصاعب.

    لو أخذنا نصيحة رجال الأعمال الناجحين لعرفنا أن الإخفاق يصنع الرواد الذين لديهم القدرة على بدء المشروعات الكبرى! إن اشتياق الأبناء للنجاح بعد إخفاق، متى وجدوا التشجيع من الوالدين، سيخلق فيهم عزيمة لا تخور، ويزيل ترددهم أمام خوض المغامرات، ويطور ثقتهم بأنفسهم.. والغريب أنه يجدد رغبتهم في التعلُّم، لكن دون الخوف من قلم أحمر أو استحسان مصحح! فهل تريد نجاح الرواد لأبنائك؟ أم تريد لهم الانضمام لطابور حملة الماجستير والدكتوراه المتظاهرين في ميادين العاصمة طلبًا للتعيين في الوظيفة الميري؟! عاوز حد يجاوبني على هذا السؤال المصيري.. لكن من الأفضل إنك تجاوبه لنفسك!

 

    نعم الفشل بداية وليس نهاية.. إذا كنت ترجو الرب كي يحقق أحلامك لمستقبل أبنائك، أو بالحري يحقق أحلامهم هم لمستقبلهم؛ فتأكد أنه يسمع صلاتك، ويأخذك مأخذ الجدية في كل ما تطلب.. لكن لا تحدد له الطريقة التي يستخدمها لكي يحقق هذه الطلبات، وثق أن «الرب يُسير خطوات الإنسان (الأبناء)، ويثبته ويحفظه في الطريق.. إذا سقط (أو أخفق) لا ينطرح (أويفشل للنهاية) لأن الرب يسنده بيده» (مزمور ٣٧ : ٢٣- ٢٤ الترجمة العربية المشتركة).


نُشر بجريدة وطني بتاريخ ١٤ أغسطس/ آب ٢٠١٦


Copyright © 2016 Focus on the Family Middle East. All rights reserved