Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: سامي يعقوب

قيامة المسيح هي أسمى تعبير للبشر عن محبة الله الأبدية، وهي أعظم مصدر للرجاء لهذا العالم المملوء بالاضطراب والخوف وخيبة الأمل.. فإن كان أعظم ما في المسيحية هو الإيمان والرجاء والمحبة، فالقيامة هي الرجاء. والمسيح المقام أعطانا المثال الحي لما يعنيه هذا الرجاء عمليًا.. فبعد قيامته كان كل حديثه عن الحب والمغفرة والمصالحة، ولم ينطق بكلمة واحدة تشير إلى رغبته في الانتقام ممن قاوموه وطعنوه وقتلوه. وكالعادة، يتجدد في مثل هذا الموسم الجدل حول الشهادة التاريخية للرسل الذين عايشوا الحدث، وشهدوا للعالم عن حقيقة موت وقيامة المسيح. والغريب أن هذا الجدل في مجمله لا يعطي اهتمامًا كبيرًا لحقيقة هامة أخرى، وهي أن أولئك الذين شهدوا لحقيقة القيامة في فجر المسيحية قد ماتوا جميعًا من أجل إيمانهم بالرب المُقام.. تُرى أي منطق أقنعهم بأن يضحوا بحياتهم بشجاعة وثبات من أجل ما يدعي البعض أنه كان خدعة أو وهمًا؟ يقول »تشارلز كولسن«، المفكر المسيحي الذي رحل عن عالمنا منذ بضعة أعوام: ”بينما يمكن أن يموت البعض من أجل كذبة يعتقدون أنها حقيقة، لا يجرؤ أحد على الإطلاق أن يموت من أجل اعتقاد يعرف أنه كذبة!“

 

أعرف كأب أن مسؤولية الأسرة عن التربية ترتبط في الواقع العملي بمتطلبات واحتياجات الحياة اليومية الملحة.. فما بين تحديات توجيه سلوك الأبناء، والمحاولات المستمرة لتشجيعهم على استذكار دروسهم.. بالإضافة إلى ضغوط العمل خارج المنزل، ومسؤوليات شؤون البيت في الداخل من إعداد الطعام، وغسل الملابس، والدواء الذي لابد أن يؤخذ في الميعاد، ومثل هذه المهام والأنشطة اليومية التي لا تنتهي في كل بيت؛ يزدحم جدول الحياة بما يشغلنا عن المعاني العميقة للرجاء المسيحي الذي تعطيه لنا حقيقة القيامة، وشهادتنا الشخصية عنها! التحدي هو كيف نأخذ أولادنا إلى حوار يستكشفون من خلاله أن العيد ليس مجرد يوم خاص تميزه الملابس الجديدة ووفرة الطعام، بل هو وقفة لنعايش فيه من جديد ما تعنيه القيامة بالنسبة لنا، وكيف يمكننا أن نتبع مثال المسيح الحي المقام، ونخبر بموته وقيامته كما فعل رسله وكل المؤمنين به عبر التاريخ؟

 

ويبقى السؤال هل يمكن أن تجد الأسرة أملاً في المستقبل من مجرد إنجاز المتطلبات الحياتية، سواء من الآباء أو الأبناء؟ وماذا عن تطبيق ما قاله بولس الرسول في (١ كورنثوس ١٥: ١٩): "إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح، فإننا أشقى جميع الناس"؟ أحيانًا ترتبط بعض النصوص الكتابية بمناسبات معينة، بينما فهمها في سياق ما قيلت فيه يُعطينا تطبيقًا عمليًا أعمق جدًا لها. وأحد الأمثلة على ذلك هو هذه الآية السابقة التي ترتبط في أذهاننا بالجنازات؛ مع أنها تركز على الرجاء الذي لنا بسبب قيامة المسيح مقارنة بأولئك الذين ليس لهم هذا الرجاء.. فكلمات الآية ترسم لنا صورة لواقع الحياة التي تفتقد للأمل والرجاء المسيحي. وعندما يقتصر اهتمامنا بتنشئة أبنائنا على إنجازهم الدراسي، وطاعتهم لما نقوله لهم، عندئذ سيكون أقصى رجائهم هو مجرد النجاح المادي وتحقيق طموحاتهم في هذا العالم، وبذلك ينضمون إلى قائمة أشقى الناس؛ ويصبح تعب تربيتنا باطلاً.

 

كآباء وأمهات لا يوجد لدينا طريقة أفضل يمكننا بها أن نبني شخصيات أبنائنا، بينما نزرع الرجاء في قلوبهم، ونشجعهم على الحياة التي تصنع فرقًا في هذا العالم، سوى بالحوار معهم عما تعنيه قيامة المسيح لنا اليوم، وفي نفس الوقت بتقديم نموذج للرجاء المؤسس على المسيح المقام بحياتنا الشخصية، وشهادتنا المستمرة عنه.

 

إن حديث بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس عن أن الإيمان عديم الرياء الموجود في حياته قد سكن أولاً في أمه وجدته (٢ تيموثاوس ١: ٥- ٧) يؤكد لنا أن ما نعكسه من مسيحيتنا في توجهات حياتنا اليومية هو الذي سيقود أولادنا لإدراك أن الرجاء لا يُستمد من مجرد تحسن الظروف المحيطة، أو من تحقيق ذواتنا بأنانية، بل من أن نضع ثقتنا في شخص المسيح الحي، ونسعى لتمجيده والشهادة عنه في كل ما نفعله أو نقوله.. فإذا كنا كوالدين قد كبرنا مع هذا الرجاء وهذه الشهادة اللذين عايشناهما في آبائنا، ترى هل يراه أبناؤنا متجسدًا فيما نصنعه من اختيارات وقرارات لحياتنا كل يوم؟

 

قد يكون أبناؤنا في حاجة أن نناقش معهم البراهين التي تثبت حقيقة القيامة، لكن نحتاج أيضًا أن نستكشف معهم ماذا يعني موت المسيح وقيامته لحياتهم اليوم ولمستقبلهم غدًا. يقول القديس أغسطينوس بعد أن توقف اضطهاد الرومان للكنيسة في أيامه: ”نحن لا يجب أن نتمنى اختبار ما عاناه الشهداء من آلام الاضطهاد، لكن العالم من خلال تجاربه وإغراءاته يتيح لنا وفرة من الفرص التي يمكن فيها أن نشهد بثبات عن المسيح.. نحن لازلنا نحارب ضد الخطية، والشهادة الأمينة للمسيح في وسط هذا الصراع نربح بها المجازاة التي ينالها الشهداء. يوم العيد ليس تاريخًا مسجلاً في التقويم السنوي للأيام.. إنه تاج المجد الذي لا يبلى في انتظارنا في قيامة الأموات!“ تُرى ماذا يمكن أن يحدث في حياتنا كعائلات إذا استطعنا أن نحول احتفالنا بالعيد لفرصة نشهد فيها للعالم من حولنا عن إيماننا بقيامة المسيح، بينما تكون تحيتنا لبعضنا البعض: إخريستوس آنستي.. أليثوس آنستي؟


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٨ أبريل/ نيسان ٢٠١٨)

Copyright © 2018 Focus on the Family Middle East. All rights reserved