Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

 

بقلم: سامي يعقوب

 

    القيامة ليست موسمًا نفرح أثناءه لوقت ثم يمضي فننشغل بأمور أخرى في الحياة! القيامة هي الرجاء الذي يتجدد مع فجر كل يوم من أيام العمر.. رجاء متى أتحنا أنفسنا له فإنه يُشكل أفكارنا فنرتفع فوق الحزن.. رجاء يُغير دوافعنا، فيتحول غضبنا لطاقة حب ومغفرة متجددة.. رجاء يُقوينا بتعزية إلهية لنكمل مسيرة جهادنا مهما صعبت الظروف.

 

    ما حدث مع تلميذين للمسيح في يوم القيامة الأول يُصور ما قد نحتاج أن نختبره نحن اليوم عندما نحاول التوفيق بين ما نعرفه عن محبة الله وقدرته، ولماذا يسمح لنا بالحزن والضيق. ففي الطريق إلى قرية عمواس، سار كليوباس ورفيقه مهمومين، وقد أثقل شعورهما بالخسارة والحزن قلبيهما. لكن بارقة أمل جلبت بعض الحماس إلى حوارهما عن أحداث الأيام الثلاثة الماضية.. فقبل أن يبدءا رحلتهما، جاءت بعض النساء بالخبر أنهن وجدن القبر فارغًا، وأن ملاكًا قال لهن: "إنه ليس ههنا، لكنه قام!"

 

    لم يكن سهلاً على التلميذين أن يُوفقا بين الأحداث المؤلمة للأيام السابقة، واعتقادهما أن يسوع هو المسيَّا الذي كان الشعب ينتظر مجيئه ليخلِّصهم! كان الوقت لايزال نهارًا؛ إلا أن الطريق إلى عمواس تحت وطأة الصراع الذي يدور بداخلهما بدا مظلمًا، طويلاً، وموحشًا! لكن المسيح المقام لم يتركهما طويلاً يتخبطان في ظلمة أفكارهما؛ فجاء وسار بجوارهما. أما هما فلم يعرفاه! واستمع الرب إلى حديثهما، وكان يعرف أن قلبيهما مكسوران بالإحباط والحزن. ثم بدأ يشرح لهما ما سبق وأخبر به الأنبياء عنه، وكيف كان لابد للمسيح أن يقاسي الآلام ثم يدخل في مجده، وبالرغم من توبيخه لبطء إيمانهما، إلا أنهما أصغيا إليه. ولما اقتربوا من عمواس تظاهر أنه ذاهب إلى مكان أبعد، فتمسَّكا به ليدخل إلى بيتهما لأن النهار كان قد مال والليل اقترب، فقَبِل يسوع دعوتهما. ولما جلسوا للعشاء أخذ الرب خبزًا وبارك وكسره وناولهما؛ فانفتحت أعينهما وعرفاه، لكنه اختفى عن أنظارهما! وفي الحال تحوَّل حزنهما إلى فرح، ويأسهما تبدَّل إلى رجاء؛ وتجددت القوة فيهما، فقاما ورجعا إلى أورشليم.

 

    تُرى لماذا أُمسكت أعين التلميذين عن معرفة الرب؟ ألم يكن من المريح أن يعلن نفسه لهما عند بداية المشوار فيجنبهما عناء الطريق؟ سؤالان لم يخبرنا البشير لوقا، الذي سجل هذه الحادثة في إنجيله (إصحاح ٢٤)، بالإجابة عليهما! من الواضح أن الرب يسوع أراد بما شرحه للتلميذين أن يضع قصتهما في إطار أكبر من حدود ما كانا يجتازانه من ظروف صعبة. فقد كانت قصتهما تركز على الأحداث الرهيبة التي عايشاها، أما قصته هو فقد أعلنت أن كل ما حدث يتفق تمامًا مع القصد الإلهي الأعظم لخلاص البشر! هكذا نقلهما بالمكتوب خارج نطاق الفكر الضيق، ومشاعر القلب المضطرب بسبب ضعف الإيمان! لعلنا نحن أيضًا بحاجة لصحبة هذا الرفيق الإلهي الحي لينتشلنا من غيبوبة الحزن وسط الكوارث، ويُخرجنا من مصيدة اليأس إذا أطبق على صدورنا عندما نرى أنفسنا بلا حول ولا قوة.. نحن بحاجة لأن نرى الأذرع الأبدية لإلهنا تحتضننا في وقت الأزمة، ولكلمته المقدسة تنير عقولنا فتنفتح أعيننا بالمعرفة؛ فنراه يمشي معنا في الطريق.

 

    اقترابنا من الكلمة المكتوبة يربط قصة حياتنا بالكلمة المتجسد. في الكلمة يمكن أن نرى آلامنا وأحزاننا كلها مصورة على الصفحات التي تحكي قصة الآلام التي اختبرها هو من أجل خلاصنا.. هنا فقط يمكن أن نجد التعزية والرحمة والعون الذين نحتاج إليهم. لقد «كان عليه (يسوع) أن يشابه إخوته (نحن) في كل شيء؛ حتى يكون رئيس كهنة، رحيمًا أمينًا في خدمة الله... لأنه هو نفسه تألم بالتجربة؛ فيمكنه أن يعين المجربين» (عبرانيين ٢: ١٦- ١٨ -الترجمة العربية المشتركة). وهنا أيضًا نفهم كيف أن قيامة المسيح تأخذنا إلى ما وراء أسوار الخوف من الغدر، وترتفع بنا فوق سدود الشك التي أقامتها الظروف من حولنا؛ فلا يحجبنا أي تهديد عن يقين الحق «أن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا… مَنْ سيفصلنا عن محبة المسيح.. أشدة أم ضيق أم اضطهاد… أم خطر أم سيف؟ في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا؛ فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة... ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة... تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا» (رومية ٨: ١٨، ٣٥- ٣٩).

 

    إن جهلنا بكلمة الله يعني أن نظل صغارًا في أعين أنفسنا، مُقيدين بالخوف من المرض، وتهديد الموت. أما ارتباطنا اليومي بقراءتها والتأمل فيها، فهذا يجعلها تنفذ إلى أعماق نفوسنا وأرواحنا، وتحكم أفكارنا ومشاعرنا، وتعطي معنى مختلفًا لحياتنا. الكلمة المقدسة تلهب قلوبنا بالرجاء، وتجدد فينا العزيمة أن نعيش إرادته لحياتنا مهما كلفنا الأمر.. فكما أعدت نفس الكلمة تلميذي عمواس لكي تنفتح أعينهما فيعرفان مَنْ الذي كان يرافقهما في طريق معاناتهما، يمكنها أن تقودنا لنختبر حضور الرب المقام؛ فتتبدد مخاوفنا، وإن بقي ما يحيط بنا من ضغوط أو يملأنا من ألم كما هو!

 

    وسط ما نعانيه جميعًا في ظل جائحة كورونا، لنعلم أن هناك رفيقًا يسير معنا في الطريق.. وحتى إن لم نميز حضوره بوضوح، لنتمسك به ليدخل إلينا، فهو يقف على الباب ويقرع؛ مَنْ يسمع صوته، ويفتح باب بيته وقلبه له، يدخل إلى حياته، ويتمتع بشركة معيته (رؤيا ٢٠: ٣).

 

 

إخرستوس آنستي.. آليثوس آنستي! المسيح قام.. بالحقيقة قام!

 

 

Copyright © 2021 Focus on the Family Middle East. All rights reserved