Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

بقلم: تيم سانفورد 

للمزيد من هذه السلسلة:

١- الدور الحقيقي للأب                               ٢- الدور الحقيقي للأم 

٣- كم يكفي من الرعاية والتشجيع؟                 ٤- هل نجحت في تربية أبنائك؟ 


 

الدور الأول والأساسي للأب ليس السيطرة

إن الدور الأول والأساسي للأب ليس السيطرة وفرض الانضباط على سلوكيات الأبناء، وإنما التأكيد على مكانة وقدر كل واحد من أبنائه. 

معنى ذلك أن تجعل ابنك/ ابنتك يعرف مرارًا وتكرارًا ومن خلال الكلمات والأفعال، أن العبارات التالية صحيحة:

  •      " أنت موجود، إذًا أنت مهم بالنسبة لي."
  •      " أنت كفء بما يكفي."
  •      "أنت متميز." 

 

أحيانًا يتحدث المعالجون النفسيون عن مبدأ "الذات المنعكسة" (Looking -glass- self principle). هذا المبدأ يدور حول حقيقة أن الأبناء يحصلون على أكثر انطباعاتهم الأولى التي تترسخ عن نظرتهم لأنفسهم من خلال نظرة والديهم لهم. هذه الانطباعات تصبح بمثابة "التسجيلات" الدائمة في جهاز التسجيل المثبت في مخ الطفل. 

 

لنفترض مثلاً أن «جوني» البالغ من العمر 4 سنوات يدخل إلى الغرفة حيث يجلس والده يقرأ الجريدة، ولكن الأب لم يؤكد على حضور جوني. ولم يقل الأب: "أنا سعيد برؤيتك يا ابني!" ولم يقل حتى: "لا تضايقني، ألا ترى أنني أحاول قراءة الجريدة؟" هنا يبدأ جوني في الشك في وجوده. 

الأمر يشبه السؤال الفلسفي القديم: إذا وقعت شجرة في الغابة، ولم يكن هناك مَنْ يسمع، فهل تتسبب في إحداث ضوضاء؟ 

 

في حالة الطفل جوني، الإجابة لا. لأن وجوده لم يتثبت بأي استجابة. وهو يفسر ذلك بأنه "غير مقبول"، وهذا تفسير خطأ جملة وتفصيلاً. كما أن الأب من المستحيل أن يصدّق هذا الأمر عن ابنه ولو لدقيقة واحدة، ولكن هكذا يشعر جوني، وهكذا يرى معظم الأطفال الأمر بهذا السيناريو؛ إذ تعمل أمخاخهم بهذه الطريقة. 

 

وهذا يفسر لماذا كثيرًا يفعل الأطفال أشياءً غريبة ومزعجة كما في الحالات التالية:

  •      نادرًا ما ترى «جيني» البالغة من العمر السادسة عشرة والدها، وذلك بسبب عمله ١٢ ساعة في اليوم وسفرياته المتكررة. نعم لقد أحضر لها جهاز كمبيوتر جديد، وظن أنه سيكون كافيًا لإظهار أنه يحبها. أمّا هي فاستخدمت جهاز الكمبيوتر في رفع صور فاضحة لها على مواقع التواصل الاجتماعي. وعندما اكتشفت أمها الأمر وأخبرت والدها، انفجر غاضبًا ومنع جيني من استخدام جهاز الكمبيوتر بقية أشهر السنة.

  •      رأى «آس» البالغ من العمر الخامسة عشرة درجاته في مادة الرياضيات تنخفض جدًا، ومن ثم اخترع طريقة ليغش في الاختبار النهائي. كان يحتاج إلى درجة جيدة بأي وسيلة؛ لأن والده كان يبدو فخورًا به عندما يكون أداؤه الدراسي متميزًا. وكانت وسيلته في الغش بدائية، وبالتالي ضُبط وهو يغش ورسب في الامتحان. ونتيجة لذلك، قرر الأب تأجيل تعلُّمه لدروس القيادة التي يحتاجها لاستخراج رخصة القيادة.

 

  •      تذكر «بوب» البالغ من العمر الثالثة عشرة استمتاعه بلعبة الشطرنج مع والده. ولكن هذه الأيام كان والده يسافر طوال الوقت، وعندما يعود إلى البيت يقضي كل وقته في متابعة المباريات الرياضية المذاعة على التليفزيون. وبدون أن يستأذن بوب من والده استعار الشطرنج غالي الثمن الخاص بوالده، وأخذه معه إلى المدرسة. وخلال يومه فقد عدة قطع من الشطرنج. وعندما اعترف بذلك أمام والده، صرخ في وجهه وقال له "أنت غبي ومهمل." بعد ذلك، ظن بوب أنه ليس هناك فرصة لأن يعودا ليلعبا معًا الشطرنج من جديد. 

 

في كل هذه الحالات، يظهر أن فشل الأب في القيام بدوره جعله يفرض قيودًا أشد صراحة ويظهر الحزم بدلاً من التشجيع. وللأسف هذا الاستبدال لا ينجح عادة. 

لاحظ أيضًا أن هؤلاء الأطفال بسوء سلوكهم حصلوا على استجابة ما من والديهم حتى وإن كانت استجابة سلبية. يلجأ المراهقون بتصرفاتهم إلى تأكيد وجودهم، وليثبتوا أن لوجودهم تأثيرًا على العالم من حولهم، أو لنقل أن مياه حياتهم تحركت بمثل هذه التصرفات، وقد حصلوا على شيء من والديهم، حتى إذا كان ذلك الشيء هو العقاب. 

 

ولكي تتجنب هذه السلوكيات المزعجة، تذكر: يحتاج المراهق وقتًا وانتباهًا بقدر ما يحتاج الطفل في عمر المشي. في الواقع، فإن تأييد وتشجيع الأب لابنه/ ابنته في غاية الأهمية لصحته النفسية والعاطفية، وهو ما يسعى المراهق للحصول عليه مهما كان الثمن سواء كان حقيقيًا أم مصطنعًا. 

 

أشياء لا تعبر عن التأييد/ التشجيع 

ما رأيك في الأمثلة التالية؟ وهل تندرج تحت تعريف التأييد أم لا؟ 

أراد «جيسون» أن يلعب كرة السلة، لكنه ليس بطلاً رياضيًا. وفي الواقع، نادرًا ما كان يتدرب مع فريق المدرسة، وغالبًا ما كان ينسحب مقدمًا أعذار واهية. وفي البيت كان يتذمر على والده بسبب أن المدرب يقسو على اللاعبين في التدريب ويطلب منهم مزيدًا من تدريبات الجري. 

 

عندما بدأت المباريات، قضى جيسون معظم وقته على دكة الاحتياطي، وشعر بالإحباط وقرر أن يترك الأمر برمته. شعر أبوه بالأسف تجاهه، وأخبره أنه لا بأس من تركه للفريق. 

 

وأكّد الأب لابنه قائلاً: "بعض الناس لا يقدّرون الموهبة الفطرية." 

هل هذا يُعد تأييدًا؟ 

 الإجابة: لا؛ 

فالتأييد لا يعني الكذب، ولا يعني أن تقول لي: "مباراة رائعة، يا ابني!" حينما أظهر أداءً سيئًا. 

 

كثير من الآباء والأمهات قبلوا بالأفكار المغلوطة عن تقدير الذات.. بمعنى أنه سواء خسرت أو كسبت المباراة، فالجميع يستحق كأس الفوز. وفي محاولة يائسة في "تأييد" كل لاعب (مع الافتراض أن الطريقة الوحيدة لذلك هو تقديم كأس لامع)، ينتهي بنا الأمر بأن ننزع القوة الحقيقية والغرض الحقيقي للتأييد. 

 

وكما أن التأييد ليس له علاقة بالحزم، فإنه لا علاقة له بالميوعة في الأبوة. يمكنك أن تكون ثابتًا وقويًا وتؤيد ابنك في نفس الوقت. إن التأييد يعني الاعتراف بابنك/ وابنتك، والإقرار بوجوده أو بوجودها، وتشجيع الفرد بمعزل عن الأداء المتواضع. 

 

بعض الآباء يُستدرجون إلى النقيض، فيمتنعون عن تأييد أبنائهم عندما لا يتصرفون وفقًا لما هو متوقع منهم. إن ثقافتنا تضع شروطًا كثيرة للتأييد.. فلا تعترف إلا بهؤلاء الذين يحظون على الشهرة أو الثروة، أو الذين ولدوا بملامح "جذابة"، أو حصلوا على هذه الملامح الجذابة بالتدخل الجراحي.. مثل هذا المفهوم يتسرب خفية إلى أسلوبنا في التربية. من السهل علينا أن نؤيد ونشجع أداءً جيدًا، ولكن الأمر يحتاج لوقت طويل وجهد كبير حتى نتعلم كيف نقّدر الإنسان بصرف النظر عن أدائه، ونعبِّر عن ذلك بكلماتنا. 

 

من ناحية، فإن هذه الأشكال من "التأييد الخاطئ" تمثل محاولة أخرى للسيطرة على سلوكيات أبنائنا. نحن نريد أن ينمو أبناءنا وهم مملؤون بالثقة بالنفس، وبالتالي نحن نقدِّم تعليقات حماسية وفيها مبالغة للأداء العادي. من ناحية أخرى، نريدهم أن يحققوا إنجازات، فنهمل المديح حتى يحاولوا أكثر. 

 

إن دور الأب الأساسي هو التخلي عن هذا النوع من السيطرة، والتأكيد على أن وجود كل واحد من أبنائه، سواء كان أداؤهم عظيمًا أو ضعيفًا، يتمتع بالقبول. إذا كنت أبًا، فلا بد أن تدرك أن كل واحد من أبنائك يستحق الحياة. ربما تدرك ذلك، ولكنهم يحتاجون أن يسمعوا ذلك منك. 

قدّر هذا الطفل كشخص حتى عندما تؤدب على تصرف ما. تأكد أن ابنك/ ابنتك يدرك جيدًا أنه نافع لك بما يكفي. 

 

وإلا، عندما تسقط الشجرة في الغابة، فإن الصمت سيكون قاتلاً. 

أفضل وقت لتبدأ عملية التأييد هو اليوم الذي يُولد فيه؛ فتربية المراهقين تبدأ عندما يولد. 

عندما يُولد.. فعلاً. 

 

ولكن لم يتأخر الوقت أبدًا لتبدأ من جديد. افعل ذلك كثيرًا حتى تثبت داخل عقل ابنك المراهق لحنًا يقول: "أنا جيد.. أنا كفء.. أنا نافع بما يكفي." وإذا استطعت أن تفعل ذلك، فإن محاولة التعويض بالرغبة في السيطرة لن يكون ملحًا لديك.


Taken from Losing Control   & Liking it, a Focus On the Family book published by Tyndale House publishers, inc. Copyright   ©  2009, Tim Sanford. All rights reserved. International copyright secured  .

 

 

 

 

 

 

 

قصة الرب يسوع في كل الكتاب المقدس بالطول