Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

 هل انا سي السيد في بيتي ١ inside

بقلم: سامي يعقوب

المزيد من هذه السلسلة:

هل أناسي السيدفي بيتي؟! (١)          هل أنا ”سي السيد“ في بيتي؟! (٢)        هل أنا ”سي السيد“ في بيتي؟! (٣)

هل أنا ”سي السيد“ في بيتي؟! (٤)          هل أنا ”سي السيد“ في بيتي؟! (٥)         هل أنا ”سي السيد“ في بيتي؟! (٦)

 

         ربما أحد أشهر شخصيات الدراماوالسينما المصرية هي شخصيةسي السيدالتي قدمها نجيب محفوظ في مجموعة ثلاثية من رواياته، كرمز لشخصية الرجل الشرقي الذي يعيش التناقض في حياته.. فبينما هو يعمل كل ما بدا له حرية شخصية، كانت زوجته في البيت مقهورة ومغلوبة على أمرها! هي كل همها أن ترضيه، ليس عن حب بل من واقع خوف من ردود أفعاله! وهو كل همه أن تعيش هي في إطار تعليماته السلطوية، لدرجة أنها لا تستطيع أن تخرج من البيت إلا بإذنه. أعتقد أن الكاتب أراد بتصويره لهذه الشخصية أن يفضح فكرة سيادة الرجل على المرأة، ويبين تأثير ذلك على الحياة الزوجية، وتربية الأبناء.

          كثيرًا ما تأتي إلى مخيلتي صورة "سي السيد" هذه عندما أسمع ما يُتلى على العروس في يوم زفافها، بينما تكون هي وعريسها مشغولين بالتصوير: «يجب عليك أن تكرميه، وتخافيه، ولا تخالفي أمره ولا رأيه بل تزيدي في طاعتهلأن الله أوصاك بالخضوع له، وأمرك بطاعته بعد والديك، فتكوني معه كما كانت أمنا سارة مطيعة لأبينا إبراهيم ومخاطبة إياه: ”يا سيدي“.»

          موضوع مخاطبة أمنا سارة لزوجها بهذا اللقب مأخوذ من وصية الرسول بطرس للزوجات: «فإنه هكذا كانت قديمًا النساء القديسات أيضًا المتوكلات على الله، يزين أنفسهن خاضعات لرجالهن، كما كانت سارة تطيع إبراهيم داعية إياه "سيدها"» (١ بطرس ٣ : ٥٦). وهنا يقتبس الرسول في وصيته جزءًا من حديث سارة مع نفسها، عندما سمعت من وراء باب خيمتها الرب يقول لإبراهيم زوجها، عندما تراءى له في نهار أحد الأيام: «سأرجع إليك في مثل هذا الوقت من السنة المقبلة، ويكون لسارة امرأتك ابن» (تفاصيل هذا الحدث مسجلة في سفر التكوين ١٨ : ١- ١٥).

          هل أعطى الكتاب المقدس الزوج حق أن يكون سيدًا على زوجته؟ وهل خضوع الزوجة لرجلها تعني أن تطيع أوامره طاعة تامة، دون أن تختلف معه في الرأي، أو حتى تناقشه؟ المشكلة هنا، كما يحدث كثيرًا، هي اقتطاع جزء من نص ما قالته أمنا سارة وجزء مما أوصى به الرسول بطرس الزوجات من سياقهما.. مع أننا إذا أخذنا في الاعتبار القرينة التي جاء فيها النصان، ودققنا في معاني الكلمات في اللغة التي كُتبت بها، لوجدنا صورة رائعة لما يمكن أن تكون عليه الشركة في الحياة الزوجية.

          هناك عدة أسباب تجعلني أقول إن الرسول بطرس لم يقصد باقتباسه لمناداة سارة لزوجها "يا سيدي" أن يقدم تعليمًا عن التسلط الذكوري في الأسرة:

          الكلمة التي استخدمتها سارة، والتي ترجمت هنايا سيدي، هي مصطلح بحسب اللغة العبرية يشير إلى الاحترام، وليس إلى خوف الشخص من رتبة أو سلطة أعلى منه.. وفي كل مرة استخدمت هذه الكلمة في نصوص العهدين القديم والجديد جاءت بهذا المعنى. على سبيل المثال عندما أساء هارون ومريم إلى موسى خاطبه هارون قائلاً: «أسألكيا سيدي، لا تجعل علينا الخطية التي حمقنا وأخطأنا بها» (سفر العدد ١٢: ١١). كذلك خاطب داود شاول بنفس الكلمة عندما خرج من الكهف الذي كان مختبئًا فيه، ونادى وراء شاول الذي كان يبحث عنه ليقتله، قائلاً: «”يا سيدي" الملك» (اقرأ القصة في صموئيل الأول إصحاح ٢٤). وعندما غمرت مفاجأة الأحداث سجان فيلبي، في الليلة التي حرر فيها الرب بولس وسيلا من قيود السجن، جاء وارتمى عند قدمي الرسولين وهو يرتجف، وقال: «يا سيديَّ“.. ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلُّص؟» ولعل أقرب ما يمكن أن تعنيه «سيدي» في اللغة العربية الحديثة هي كلمة "حضرتك"، والتي تستخدم للتعبير عن الاحترام عند التعامل مع الآخرين. على أية حال، أنا شخصيًا أعايش علاقة زواج نتبادل فيها كزوجين الحب والثقة والاحترام، ولكن إذا كانت زوجتي تنادينييا سيدي، أو إذا استخدمت كلمة "حضرتك" في تواصلنا معًا، فإنني سأرى ذلك علامة على فشلي في القيام بدوري كزوج وأب.

كيف تعاملها ماذا تتوقعين منه ٤

لقد أظهرت سارة الاحترام لإبراهيم، وهذا موقف يجب أن يكون حاضرًا في كل الزيجات المسيحية وبين جميع المؤمنين.. لكنها لم تكن أبدًا تعبر عن خضوعها له بمناداتها لهيا سيدي، فلا يوجد أي نص في قصتهما معًا يقول إنها كانت تفعل ذلك. المرة الوحيدة التي ذكرته فيها بأنه "سيدها" كانت عندما تساءلت في نفسها: «أبعد فنائي يكون لي تنعم، و"سيدي" قد شاخ؟» (التكوين ١٨: ١٢).. والواضح من النص أن الاحترام بالنسبة لسارة كان توجهًا نابعًا من قلب مقتنع به، وإن لم يعبر عنه بالفم.. «لا تكن محبتنا بالكلام أو باللسان بل بالعمل والحق» (رسالة يوحنا الأولى ٣: ١٨).

عندما نقرأ القصة الكاملة لحياة إبراهيم وسارة نجد أن الاحترام في أسرة أبو الآباء كان متبادلاً.. فسارة لم تكن وحدها التي أظهرت احترامها لزوجها بالخضوع له، بل وقد أظهر أبراهيم أيضًا احترامًا وتقديرًا لرأيها بقدر متساوِ. عندما أصرت سارة على طرد هاجر وإسماعيل، استاء إبراهيم من هذا الطلب، وكان مترددًا في أن ينفذه لأن إسمعيل كان أيضًا ابنه.. لكن الله تدخل ليحل هذه المشكلة الأسرية، وأمر إبراهيم أن يطيع زوجته، فخضع ونفذ لها رغبتها (التكوين ٢١: ٩- ١٢).

            في مجتمع يسوده الاعتقاد بأفضلية الرجال عن النساء، ويعلي من قيمة المولود الذكر ويفضله على ولادة الصبية، يظن الكثيرون أن «الخضوع» مرادف لمعنى الحق الذي للرجل على زوجته.. لكن هذا يناقض الفكر الكتابي الذي يشير بوضوح إلى أن الخضوع مرتبط قبل أي شيء بواجب الرجل تجاه زوجته. لعلنا كرجال وأزواج مسيحيين في حاجة لأن نخلع عنا جلبابسي السيد، ولا نتشبه بثقافة العالم، بل نتغير بتجديد أذهاننا، لنختبر ما هو صالح ومرضي وكامل بحسب مشيئة الله للزواج المسيحي.. وإلى بقية الحديث في المرات القادمة.


 (نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٩ سبتمبر/ أيول ٢٠١٨)

Copyright © 2018 Focus on the Family Middle East. All rights reserved.