هل لاحظت مرة أن الكلمات لا تعني أحيانًا ما قُصد أن تعنيه؟ من الهام جدًا في هذه الأيام أن نتفق على تعريف المصطلحات بحيث نعرف بالضبط أننا نتحدث عن نفس الشيء. بالمناسبة هذه مهارة هامة جدًا عند التحدث مع أطفالنا. اسألهم أن يُعرِّفوا مصطلحاتهم، واقضِ بعض الوقت لتعريف مصطلحاتك. في أوقات كثيرة قد يُحل الخلاف إذا توقفت قليلاً وحددت معاني كلماتك -حتى إذا ظننت أن معانيها واضحة.

على سبيل المثال، هل أنت متأكد أنك تعرف ما يعنيه أطفالك حين يقولون:

-  "تحدثت مع المدرب، ونحن على ما يرام."

-  "لقد تحرش بي."

-  "أنت تجبرني على الذهاب إلى المدرسة."

-  "لا تقلق، نحن لم نمارس الجنس."

ماذا يعني الإيذاء أو التحرش فعليًا وتحديدًا؟ ماذا عن الجنس؟ من الهام أن نتيقن أولاً من تعريف مشترك لهذه المصطلحات؛ وبناءً على ذلك دعنا نعرّف ما نعنيه بكلمة "قيم".

القيم: ما هي؟

على مدار العشرين أو الثلاثين عامًا الماضية أصبحت القيم مصطلحًا مألوفًا. أناس كثيرون اليوم يتحمسون بإفراط لقيمهم، ولكن للأسف القليل منهم مَنْ يستطيعون إخبارك بالظبط ما هي القيم. بعكس الرأي الشائع، القيم ليست معتقدات، أو عقائد دينية، أو أسسًا فلسفية، أو مواقف سياسية. القيمة هي ما تدل عليه اسمها بالضبط: "تقدير للنفع". ما الذي تقدّره (أو تقيّمه) فعليًا في حياتك؟ ما هو أكثر شيء له أعظم قيمة ونفع بالنسبة لك؟

القيم الراسخة هي بمثابة المرساة التي ستحافظ على أطفالك من الانحراف عن المسار عندما تهب رياح العالم. في الوضع المثالي يكتسب الأطفال هذه القيم منك. كآباء أو أمهات لا نستطيع أن نشعر بالثقة في تمرير قيم راسخة للجيل التالي إلا بعد أن نعرف أولاً ما هي قيمنا الحقيقية. هذا يعني أن الخطوة الأولى في هذه العملية يجب أن تتضمن فحصًا أمينًا للذات. تأمل الجوانب التالية من حياتك:

• التوجهات: ما هي نظرتك إلى العالم بشكل عام؟ توجهاتك -أي كيف تنظر إلى الحياة- تساهم بطريقة ما في تشكيل القرارات التي تصنعها وتوفر لها أساسًا معرفيًا.
• الاستثمار: الوقت، والمال، والطاقة، يمثلون بضاعة ثمينة في الحياة. ما تفعله بها يفصح بالكثير عن منظومة القيم الحقيقية الخاصة بك. إذا نظر الناس إلى حساباتك البنكية، أو فاتورة بطاقة الائتمان، أو جدول مواعيدك، ماذا سيستنتجون منها؟
• الدافع: حتى تحدد القيم الحقيقية، يتطلب أن تنظر أسفل السطح. الأشخاص قد يفعلون أشياء متشابهة لأسباب مختلفة تمامًا. اسأل نفسك: "ما هو الغرض النهائي من وراء اشتراكي في (كذا وكذا)؟" قد تفاجأ بإجابتك.

الآية الكتابية المحورية التي يجب وضعها في الاعتبار بينما تفكّر في قيمك الحقيقية هي متى ٦: ١٩- ٢١ «لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ. بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَ صَدَأٌ، وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ، لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا.»

هل تريد أن تكتشف ما هي قيمك الحقيقة فعلاً؟ تجرأ على أن تتحلى بالشفافية والصدق. قبل أن تقرر تنفيذ هذا النشاط مع أطفالك، نفذه أولاً بمفردك. إن طريقة إنفاقنا لوقتنا، ومالنا، وما نقضي الوقت في التفكير فيه، يخبرنا عن الشيء الذي نقدره بالفعل، في مقابل ما نزعم أننا نقدره. (انظر نشاط التقييم الذاتي للقيم في نهاية هذا الجزء.)

 

 

القيم المسيحية في مقابل قيم العالم

إن تعلُّم تحديد قيمك أمر هام، لكن الأهم هو اكتشاف كيف تتماشى هذه القيم مع ما يقوله الكتاب المقدس. كوالدين مسيحيين هذه مسأله لها أهمية فائقة. للأسف، الكثيرون ممن يقولون إنهم مؤمنون لا يرون اختلاف القيم الإلهية عن قيم العالم الذي يعيشون فيه. بشكل عام تمامًا، نستطيع أن نقول إن القيم المسيحية تؤكد على أهمية الأمور الروحية الأبدية غير المنظورة وغير المحسوسة، بينما يميل العالم إلى التركيز على الأمور المادية والزمنية والقابلة للقياس والتي تخدم مصالح الفرد.

القيم الإلهية مقابل قيم العالم

ما هي الأمور التي يقدرها ويعتز بها الملتزمون بمنظومة القيم الإلهية ومنظومة قيم العالم؟

لكن الفرق أعمق من هذا.. في النهاية، الفرق يكمن في السؤال عن المرجعية. يؤكد الكتاب المقدس أن الله هو مَنْ يضع معيار ما هو حقيقي وصحيح ودائم، في حين منظور العالم يقول كل واحد لابد أن يختلق معاييره الخاصة. بالمناسبة، قيم العالم كثيرًا ما يتم تغليفها بمهارة بمصطلحات مسيحية، لذا وجب الاحتراص.. فكونها تبدو ذا طابع مسيحي لا يعني أنها صحيحة من وجهة نظر الكتاب المقدس.

طريقة أخرى لاكتشاف قيمك الفعلية هو أن تقارن بعض القيم الكتابية الأساسية بقيم العالم. راجع القائمتين السابقتين بأقصى قدر من الصدق والأمانة. أي العبارات تنطبق أكثر عليك؟

بمجرد التيقن من هذه الأمور، ستكون في وضعية تتيح لك مساعدة أطفالك على استيعاب أعمق لأكثر الأمور أهمية في الحياة. في معظم الحالات ستفعل هذا ليس بما تقوله بل بما تعيشه.

 

 

التحديد الدقيق للخطر

إليك السؤال الأساسي: كيف تؤثر قيمك على حياتك اليومية؟ تكمن الإجابة في العلاقة بين منظومتنا القيمية والشعور العام بالرخاء. القيم المسيحية والرجاء المسيحي تشكل «مِرْسَاة لِلنَّفْسِ مُؤْتَمَنَةٍ وَثَابِتَةٍ» (عبرانيين ٦: ١٩)؛ فهي الأساس الصخري الصلب الذي يصمد حينما تأتي علينا عواصف الحياة (متى ٧: ٢٤ و٢٥). المسيحيون، بصحبة كلمة الله كأساسهم الصلب، لديهم شعور باليقين تجاه أهم أشياء في الحياة. هذا الشعور باليقين يريح التوتر، ويعطي قدرة على الحكمة في الاختيار، ويجلب السلام الداخلي.

من الناحية الأخرى، قيم العالم تشبه أساسًا من الرمل؛ فهي تنهار عندما تنزل الأمطار وتهب الرياح. وهي ببساطة لا تشبع، ونتيجة لذلك فهي تؤدي مباشرة إلى الشعور باليأس. والرابط بين اليأس والانتحار واضح تمامًا.

ماذا يحدث حين تطارد شيئًا تعتبره قَيمًا ولكنك تفشل في الإمساك به؟ أو بعدما أمسكت بها تجد أنه قد خيّب آمالك؟ والأسوأ من ذلك، ماذا يحدث عندما تصل إلى نتيجة مفادها أن لا شيء في الكون له قيمة أو أهمية حتى يستحق أن يكون أساسًا لحياتك؟ عندما تصل إلى هذه النقطة، يتبدد كل إحساس بالرضا ويحل الشعور باليأس. هنا تنتقل إلى منطقة خطرة.

 

قيم العالم واليأس: العثور على الرابط بينهما

يمكننا سرد الكثير من البراهين التي تثبت أن قيم العالم تؤدي إلى اليأس، الأمر الذي بدوره يمثل سببًا شائعًا للانتحار. وهذا بسبب أن قيم العالم تشترك في السمات التالية:

• دائمة التغيُّر (بحسب الموضة).
• متمركزة حول الذات، لذلك فهي لا تتسع أبدًا كأساس لمنظور واسع وشامل وهادف للحياة.
• تفتقر إلى الأساس الصلب.
• تخدع أتباعها وتدخلهم في صراع لا ينتهي وغير مُجدٍ (سفر الجامعة ١: ٢ و٣).
• لا توفر إحساسًا باليقين.
• المكافآت التي تعد بها لا تدوم ولا تحقق إشباعًا حقيقيًا.
• نتيجة لذلك فهي تولّد الشعور بالقلق والتوتر الداخلي.

 

 

المواجهة المضادة

ماذا بمقدورنا أن نفعل لنجهز أطفالنا للمواجهة الحتمية مع العالم الخارجي؟ كيف نساعد أبناءنا على استيعاب الفرق بين القيم الإلهية وقيم العالم بحيث يتمكنون من اتخاذ قرارات صائبة وحكيمة؟

أولاً، بوسعنا تقوية تعلُّق أبنائنا بمرساة من القيم المسيحية الراسخة عن طريق تنفيذ الاستراتيـﭽيات التالية بالمنزل:

•      بناء هُوية عائلية. ساعد أبناءك على اكتساب الشعور بالهُوية الجمعية بالمنزل عن طريق التحديد الواضح للقيم والمعتقدات التي تتمسكون بها كعائلة. اتخذ خطوات للتأكيد على أن قيمكم العائلية تتعارض بقوة مع قيم العالم.

•      مارس التطمين والقبول. اجعل بيتك مكانًا تُناقش فيه هذه القضايا بانفتاح.. شجع أبناءك على أن يطرحوا أسئلة ويختبروا الافتراضات الأساسية.. اشرح لماذا تؤمن بما تؤمن به. الأمر الأهم, دعهم يعرفون أنك ستحبهم وتعتز بهم دائمًا مهما كانت أفعالهم.

•      تحلَّ بالثبات وعدم التناقض. قدم قدوة بحياتك عن قيمك أمام أطفالك.. اجعل النزاهة المحور المركزي للعلاقة فيما بينكم كعائلة.. احفظ وعودك، وافعل ما تقول إنك ستفعله.

•      كُن متعمدًا. نفذ نشاط "التقييم الذاتي للقيم" كل سنة، بحيث تعرف جيدًا أين أنت وعائلتك من جهة أهم الأشياء في الحياة.

ثانيًا، لا تنس أبدًا أنه من وجهة نظر الأطفال (وبالأخص المراهقين)، فإن أصعب الأسئلة ستبدأ دائمًا بـ "لماذا؟" و"كيف؟" فقد يفكرون:

-      لماذا تعتبر المنظومة الإلهية للقيم –أو ما تزعم أنها منظومة القيم الإلهية- هي المنظومة الصحيحة؟

-      كيف أعرف ما يقوله الله لي عن ذاته، ولماذا حياتي مهمة، وماذا يريدني أن أفعل، وكيف يريدني أن أفكر؟

بينما تتناول هذه الأسئلة، تذكر النقاط الهامة التالية:

• مركزية الإعلان الإلهي. يقر الإيمان المسيحي أننا بذواتنا لا نستطيع اكتشاف معنى الوجود، أو هدفنا في الحياة. مشاعرنا لا تقدر أن تخبرنا أي شيء عن هذا؛ لأن مشاعرنا عرضة للتبدُّل باستمرار. ليس هناك إلا طريق واحد لمعرفة الإجابة -الله أخبرنا. وهذا بالفعل ما فعله على صفحات الكتاب المقدس.
• أهمية دراسة الكتاب المقدس، والتأمل في آياته، والصلاة، والتعاليم الكتابية. هذه النقطة تتبع النقطة السابقة مباشرة. إذا كان الله قد تحدث حقًا إلينا بكلمته (المسيح اللوجوس)، فإن الطريقة الوحيدة لمعرفة مَنْ نحن، وماذا يريد منا، وكيف يمكن أن نختبر السعادة والشبع، هي أن نركز انتباهنا بشدة على محتوى هذا الإعلان. إذا قضيت وقتًا كافيًا في القراءة والتأمل، وممارسة ما أوحى به الله في الكتاب المقدس، ستبدأ في سماع صوت الله.

 

على أرضية صلبة

عندما أعرف مَنْ أنا، وأتخذ خطوات لأصير الشخص الذي يريدني الله أن أكون عليه، فهذا هو سر الحياة السعيدة المشبعة والغنية. في النهاية هي الترياق الوحيد لوباء اليأس والانتحار الذي يسلب مجتمعنا من الرجاء بالمستقبل. إذا أردنا العالم أن يستمر، علينا أن نجد طريقة لنضع أرجل أبنائنا على أرضية صلبة. نستطيع ذلك بإخبارهم أن الله يحبهم ولديه هدف لحياتهم. ويمكنهم أن يعرفوا صدق ذلك لأن الله هو مَنْ قال ذلك.

 

 

نشاط

نشاط التقييم الذاتي للقيم

إذا أردت لهذا النشاط أن يأتي ثماره ستحتاج أن تكون أمينًا مع نفسك. وستحتاج أسبوعين على الأقل لتكمل هذا النشاط.

الأسبوع الأول: في مفكرة اكتب كل نشاط تقوم به كل ١٥ دقيقة. افعل هذا لمدة أسبوع بأكمله.

الأسبوع الثاني: هذه الخطوة ستكون أصعب قليلاً.. كل ١٥ دقيقة دوّن الأفكار التي تدور في ذهنك. افعل هذا لمدة أسبوع بأكمله. على الأرجح سيكون لديك بعض الأفكار كل ١٥ دقيقة. بحرية كاملة صف ولخص، لكن كُن صادقًا بقدر ما تستطيع.

في نهاية الشهر: اطلع على حسابك البنكي، أو كشف مصروفاتك، ودوّن في أي شيء أنفقت أموالك.. ماذا كانت الفئات الرئيسية للإنفاق؟ احرص على إدراج حتى القليل الذي يُنفق هنا وهناك.

راجع حياتك الفكرية، وكيف تقضي وقتك وتنفق مالك. اسأل نفسك: "بماذا تكشف تصرفاتي وأفكاري وعاداتي في الإنفاق -واستثماراتي- عن الأشياء التي أقدرها فعليًا وأعتبرها أهم شيء في الحياة؟ ماذا يبيّن هذا النشاط عن توجهاتي ودوافعي؟"

ماذا اكتشفت؟ هل تشعر بالاكتفاء بما تقدره فعليًا؟ هل هناك أشياء تريد أن تتأملها بعمق أكثر؟ إذا كان الأمر كذلك، خصص وقتًا لهذا. ربما تريد أيضًا أن تتحدث مع أحد أصدقائك الجيدين الذي يمكنه أن يصغي إليك ويقدّم لك ملاحظات حكيمة.

---

القسم الثاني: ما الذي يجعل أبناءك عرضة للانتحار؟

الفصل الأول: تأثير قيم العالم

الفصل الثاني: خسائر ليست هينة

الفصل الثالث: الطلاق والآثار الناجمة عنه

الفصل الرابع: العنف المنزلي

الفصل الخامس: التنمر والتنمر الإلكتروني

التجاوب مع هذه المشكلات

 

© 2020 Focus on the Family. All rights reserved. Used under license.