Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

 

اصطادوا الثعالب ٥ inside

 بقلم: سامي يعقوب

المزيد من هذه السلسلة:

"اصطادوا الثعالب" ١         "اصطادوا الثعالب" ٢        "اصطادوا الثعالب" ٣       "اصطادوا الثعالب" ٤       

"اصطادوا الثعالب" ٥         "اصطاوا الثعالب" ٦          "اصطاوا الثعالب" ٧

 

لماذا نعطي هذه الأهمية لموضوع إدمان الرجال للبورنو؟ هل الأمر منتشر إلى هذا الحد بين الرجال المتزوجين؟ وهل وجدنا حلولاً للمشاكل الأخرى التي تهدد الحياة العائلية اليوم، وبقيت هذه المشكلة فقط لنتعامل معها؟ "أحاديثك عن هذا الموضوع فيها ظلم كبير للرجل، لماذا لا تتكلم عن إدمان المرأة للـ «تشات»؟!" ومن بين التعليقات الأخرى التي وصلتني: ”ربما أنا محتاج لمن يساعدني أن أخرج من المصيدة، لكن لماذا تفترض أن زوجتي هي أفضل مَنْ يمكن أن يساعدني؟ لقد سمعت من متحدثين في أمور العائلة والزواج أن الأفضل أن أطلب مساعدة رجل مثلي؟“ بقدر سعادتي بردود الأفعال هذه، والتي جعلني بعضها أشعر بأني وضعت يدي في”عش للدبابير“، فقد وصلني أيضًا ما يشجعني أن أكمل الحديث في هذا الموضوع لأنه يمثل أهمية ليست بقليلة لجموع من العائلات، على كل المستويات الاجتماعية والدينية، دخل إليها ثعلب البورنو.

تؤكد الدراسات أن من أكثر الكلمات والعبارات تداولاً على صفحات البحث على الإنترنت تلك التي لها علاقة بالجنس.. ففي كل يوم هناك ملايين في العالم يتابعون صفحات البورنو، ويتركون أنفسهم نهبًا لقوة الخيال الجنسي التي تسلبهم شخصياتهم، وتحبسهم داخل مصيدة الاستثارة البصرية أو التحرق، وتفسد علاقاتهم مع الآخرين! والمثير للانتباه أن فيديوهات البورنو تحقق خلال وقت قصير جدًا ملايين المشاهدات من المصريين، بحسب التقارير الصحفية! ”عاوز حد يقولي مين ملايين المشاهدين دول؟ وهل أكثريتهم من الرجال أم من النساء؟“ الموضوع أخطر مما يظن البعض، ويحتاج إلى اهتمام عاجل من كل المؤسسات والخدمات التي تهتم بشؤون الأسرة ودعم منظومة الزواج، الذي أعتقد أن إدمان الأزواج للبورنو أكثر ما يعطل ازدهارها، وأحد أقوى العوامل التي تهدد ديمومتها.. لماذا؟ لأن البورنو مادة إدمانية تولد شهوة جنسية جامحة لدى الرجل تجعله -بعكس المتوقع- غير قادر على اختبار الألفة الجنسية الحقيقية مع شريكة حياته. ومن هنا يبدأ التوتر في العلاقة بين الزوجين لشعورهما بالملل أو النفور، الذي إذا لم يتم التعامل معهما في الوقت المناسب يتسرب اليأس إلى النفوس، ويشتعل الشجار حول أمور لا تستحق.. والنتيجة تكون الانفصال الجسدي والنفسي بين الزوجين، ولو استمرت الحياة تحت سقف واحد من أجل الأولاد، أو لأسباب اجتماعية واقتصادية لا تخفى على أحد.. أليس هذا طلاقًا مع إيقاف التنفيذ؟ «لكن كل واحد يجرّب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كملت تنتج موتًا —أو طلاقًا في هذه القرينة» (يعقوب ١ : ١٤ - ١٥).

هناك جانبان في الصراع الذي يخوضه مَنْ يريد أن يتغلب على إدمان الميديا الإباحية، ويفلت من قبضة فخها: الجانب الأول روحي، والثاني عملي.. وكلاهما يتعلق بشكل مباشر بطبيعة علاقتك الاختبارية مع المسيح المخلِّص. إدمان البورنو خطية تحتاج منك أن تعترف بها، والاعتراف هنا هو الجانب الروحي.. الخطية تفصلنا روحيًا عن الله، لكن «إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا، ويطهرنا من كل إثم» (١يوحنا ١: ٩). وقوة التطهير التي يتحدث عنها يوحنا الرسول هنا هي في» دم يسوع المسيح« الذي سفكه على الصليب ليصالحنا مع الآب السماوي، والذي بالإيمان به أصبح بإمكان كل شخص أن يدخل في علاقة بنوة جديدة مع الله.  


أما الجانب العملي فهو التوبة.. التوبة في اللغة التي كُتب بها الكتاب المقدس تعني أن تتوقف وتعطي ظهرك للاتجاه الذي تسير فيه، ثم تبدأ السير في الطريق المعاكس.. «اثبت.. للخلف در.. مارش!» وهذه هي أولى خطوات إحياء علاقتك مع المسيح التي أفسدتها متابعتك للبورنو.. ومَنْ يرجع إلى الرب بهذا المفهوم عن التوبة، يقبله ويقويه لينتصر في معركته مع الميديا الإباحية.. ثق أن الله لا يطلب منك شيئًا ولا يعطيك في نفس الوقت القوة التي بها تعيش عمليًا ما يريده منك وما يراه الأفضل لحياتك. التوبة عمليًا هي تغيير الاتجاه، لكن هذا التغيير لا يُقصد به مقاطعتك للميديا التي أوقعتك في الفخ، بل أن تتدرب على التعامل معها بفكر جديد بحسب نصيحة الرسول بولس القديمة الجديدة: «لا تشاكلوا هذا الدهر، بل تغيّروا عن شكلكم (أو أسلوب تعاملكم) بتجديد أذهانكم، لتختبروا ما هي إرادة الله: الصالحة المرضيّة الكاملة» (رومية ١٢ : ٢). الذهن المتغير له القدرة على التعامل مع الميديا بحرية، لكن بحس يستطيع التمييز واختيار «كل ما هو حق، كل ما هو جليل (محترم)، كل ما هو عادل، كل ما هو طاهر، كل ما هو مُسر، كل ما صيته حسن…» (فيلبي ٤: ٨).

 

والسؤال الآن: ماذا بعد التوبة؟ الجواب نجده فيما حكاه السيد المسيح عن القلب الذي كان ممتلئًا بالنجاسة، وبالتوبة أصبح فارغًا، وظل هكذا دون أن يمتلئ بساكن أقوى من الذي خرج منه.. ولعل الرب أراد بحديثه أن يرسم خارطة الطريق لحياة ما بعد الفكاك من فخ البورنو: »إذا خرج الروح النجس من إنسان، تجول في القفار يطلب الراحة. وعندما لا يجدها يقول: أرجع إلى بيتي الذي خرجت منه. فيرجع ويجده مكنوسًا مُرتّبًا. لكنه يذهب ويجيء بسبعة أرواح أشر منه، فتدخل وتسكن فيه، فتصير حال ذلك الإنسان في آخرها أسوأ من حاله في أولها« (لوقا ١١: ٢٤ - ٢٦ الترجمة العربية المشتركة). الحياة بلا هدف تضعك في مهب ريح العودة إلى المستنقع؛ ففكر فيما يمكن أن تعيش لأجله، وتعطيه المتاح من وقتك ومالك وجهدك.. جدد عزيمتك كل يوم بالجلوس عند قدمي المسيح لتسمع صوته في الكلمة المقدسة.. لا تهمل وسائط النعمة، فهي التي تحرس حياتك، وتحفظ قلبك وفكرك؛ فلا يستطيع الشرير أن يقتحمهما أو يخدعك فيما بعد. لا تدع مشاعر عار ممارسات ما قبل التوبة تتبعك في مسيرة حياتك الجديدة؛ لأنه بحسب وعده قد أبعد عنك خطايا الماضي كبعد المشرق من المغرب.. والذي وعد أمين وقادر أن يحقق مواعيده. صلِّ كل يوم، واطلب من الله أن يخلق فيك قلبًا نقيًا، ويجدد في داخلك اتجاه قلب أن تفعل ما يرضيه، وأن يعطيك عزيمة من حديد لا يفل، لكي تكمل بقوة نعمة المسيح مسيرة حريتك من عبودية الخطية. وأخيرًا ارجع من جديد وبلا تردد لعلاقتك مع شريكة حياتك؛ فهي في انتظارك، ولا يوجد أفضل وأقوى منها يستطيع أن يدعمك لتكمل السير في الاتجاه الجديد، وليس هناك مَنْ يفرح بعودتك إلى نفسك أكثر من حبيبة العمر.. ولهذه العودة حديث خاص نلتقي حوله في المرة القادمة.


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٢٩ يوليو/ تموز ٢٠١٨)

Copyright © 2018 Focus on the Family Middle East. All rights reserved.