Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

 

بقلم: سامي يعقوب

 

للمزيد من هذه السلسلة:

الدستور الإلهي لمعاملة الزوجات ١       الدستور الإلهي لمعاملة الزوجات ٢     الدستور الإلهي لمعاملة الزوجات ٣

 

الدستور الإلهي لمعاملة الزوجات ٤      الدستور الإلهي لمعاملة الزوجات ٥     الدستور الإلهي لمعاملة الزوجات ٦

 

الدستور الإلهي لمعاملة الزوجات ٧

 


         ما الفرق بين الخلافات الزوجية العادية والعنف المنزلي؟ الخلاف بين الزوج والزوجة هو جزء طبيعي من العلاقات الإنسانية؛ ولهذا السبب من الجيد لكل زوجين أن يتعرفا على بعض مهارات حل النزاع. لكن هذا لا يعني أن للعنف أي مكان في علاقة صحية بين رجل وامرأة يربطهما عهد الزواج. ولعل البعض يقولون إن العنف الأسري يصيب أيضًا الرجال الذين يعيشون مع زوجة قوية لا تُقدرهم، فيعانون من كل أو بعض أنواع الإيذاء التي سنتعرض لها في هذه الأحاديث، ومع أن هذا صحيح لكنه ليس الحالة الشائعة في مجتمع ذكوري مثل الذي نعيش فيه.

 

الرجال الذين يمارسون العنف مع زوجاتهم موجودون في كل الطبقات الاجتماعية، بغض النظر عن مستوى تعليمهم، مستواهم المادي، نجاحهم أو فشلهم في الحياة، أو البيئة الاجتماعية التي يعيشون فيها. ومن الغريب أن الكثيرين منهم قد يكونون ناجحين في حياتهم المهنية، وفي غاية الاحترام في كنيستهم، ويلقون قبولا في كل مكان يتواجدون فيه خارج بيوتهم! فتُرى لماذا يميل هؤلاء للتعامل بعنف مع زوجاتهم؟ ربما أحد أهم الأسباب هو الاعتقاد أن الإناث أقل شأنًا وقيمة من الذكور، وإذ تغلبهم ذكوريتهم تجدهم يتحكمون في شريكة حياتهم بشكل تلقائي، ويعتبرون أن السيطرة على زوجتهم، بوجه خاص، أمر طبيعي- مع أن هذا الموقف قد يختلف عند تعاملهم مع الغريبات!

 

يشترك أغلب الرجال المسيئين في صفات شخصية واحدة.. فهم يميلون للغيرة، حب التملك، الغضب بسهولة، وعادة يجيدون إنكار انتهاكاتهم لزوجاتهم، أو يقللون تأثير هذا الانتهاك عليهن، وعلى حياة الأسرة كلها؛ بل والبعض يلومون شريكة حياتهم على الإساءة بحجة: "هي إللي خلتني أعمل كده!" «الرب يمتحن الصديق، أما الشرير ومُحب الظلم (العنف) فتبغضه نفسه... الرب عادل ويحب العدل، المستقيم (المحترم) يُبصر وجهه» (مزمور ١١: ٥- ٧).

 

ما هو العنف المنزلي؟ هو أي نوع من السلوك أو التهديد الذي يستخدمه الرجل للسيطرة على شريكة حياته (أو أبنائه)، والذي يمارس بأشكال إيذاء مختلفة، يمكن أن نلخصها في الأنواع الخمسة التالية: 

 

(١) الإيذاء الجسدي.. اللكم بقبضة اليد، دفع الآخر بكتلة الجسم، إلقاء شيء صلب على الآخر بقصد إيلامه، الضرب بعصا، الركل بالرجل، الخنق، لوي الذراع، والقرص، وما إلى ذلك من عنف بدني.

 

(٢) الإيذاء الجنسي.. ويشمل أي أفعال جنسية يفرضها الزوج على زوجته بالرغم من عدم ارتياحها لها. وهناك جدل دائر مؤخرًا في وسائل التواصل الاجتماعي حول موضوع «الاغتصاب الزوجي»، بين مطالبات بتجريمه، واستنكار لمفهومه من الأساس.

  

(٣) الإيذاء النفسي.. وهو كل قول أو سلوك يهدف إلى تخويف الزوجة، وعزلها عن أهلها وأصدقائها، والتحكم في المكان الذي تذهب إليه، وجعلها تشعر بالذنب أو اللامعقولية، وإصدار أوامر يصعب عليها تنفيذها.

 

(٤) الإيذاء العاطفي.. ويعني تدمير احترام الزوجة لذاتها بالنقد المستمر، والإهانات، والتقليل من شأنها، واحتقار مواهبها وقدراتها الشخصية، ومقارنتها بالأخريات، ناهيك عن الشتائم، والألقاب المحقرة لها، ومعايرتها بضعفاتها، والاستهزاء بأصلها.

 

(٥) الإيذاء الاقتصادي.. ويشمل إخفاء الدخل المادي عن الزوجة، ومنعها من العمل أو إجبارها عليه، التصرف في ممتلكات الأسرة دون التشاور معها، أو التحكم فيما يخصها من ميراث أخذته بدون مرضاتها، واتخاذ القرارات المالية بأسلوب ديكتاتوري بدون اعتبار لرأيها أو احترام لحكمتها.

 

سأعود بالحديث في المرات القادمة عن الموقف المسيحي والمتحضر فيما يتعلق بأنواع الإيذاء هذه. ولكني أريد أن أثير سؤالاً قد تبدو الإجابة عليه بديهية، ولكنه يحتاج منا لوقفة للتفكير قبل أن نجيب عليه: هل العنف المنزلي خطية؟

 

الخطية في أحد أبشع صورها هي حالة العبودية التي تتحكم في الحياة البشرية وتشوهها.. إنها الابتعاد عن الله الذي يؤدي إلى الرغبة الخاطئة للسيطرة على الآخرين، والإساءة إليهم بمعاملتهم بقسوة وعنف. المؤسف أن يتم تبرير مثل هذه الأفعال باستخدام تفسيرات شائعة، ولكنها ليست بالضرورة تعبر عن المعنى الصحيح للنصوص؛ فلا يوجد في الكلمة المقدسة ما يعطي الحق لأحد أن يهيمن على الآخرين.

 

مثلاً قد يُستخدم ما جاء في تكوين ٣: ١٦ «إلى رجلك يكون اشتياقك، وهو يسود عليكِ» لتبرير سيطرة الرجال على النساء. لكن هذا المقطع يصف نتيجة دخول الخطية إلى العالم، وعدم اتخاذ المرأة لقراراتها بمعزل عن زوجها كما فعلت حواء، وليس ما قصده الله للعلاقة بين الرجل وزوجته. لقد خلَّصنا المسيح من حالة السقوط هذه، وعندما نفسر هذا النص بأنه يعطي للرجل الحق أن يسود على زوجته يعني أننا غير مستعدين لقبول التبرير بنعمة الله من خلال الإيمان بالمسيح. إن عمل الله لفداء البشر بتجسد وموت وقيامة المسيح لا يحررنا كرجال ونساء من عبودية الخطية فقط، بل يجعلنا أيضًا واحدًا في المسيح. «لأنكم جميعًا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع... ليس عبد ولا حر. ليس ذكر وأنثى، لأنكم جميعًا واحد في المسيح» (غلاطية ٣: ٢٦- ٢٨).

 

إن كان العالم اليوم يؤثم العنف ضد المرأة، هل حان الوقت لتعلن الكنيسة بوضوح أن العنف الأسري خطية، نحتاج أن نعترف بها ونتوب عنها؟ «أيها الرجال، كونوا ساكنين بحسب الفطنة مع الإناء النسائي كالأضعف، معطين إياهن كرامة، كالوارثات أيضا معكم نعمة الحياة، لكي لا تعاق صلواتكم» (١بطرس ٣: ٧).

 

وإلى بقية الحديث في المرات القادمة.

 


(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ١٩ سبتمبر/أيلول ٢٠٢١)

 

Copyright © 2021 Focus on the Family Middle East. All rights reserved.