Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

 

الدستور الالهي لمعاملة الزوجات ٧

بقلم: سامي يعقوب

للمزيد من هذه السلسة:

الدستور الإلهي لمعاملة الزوجات ١    الدستور الإلهي لمعاملة الزوجات ٢     الدستور الإلهي لمعاملة الزوجات ٣

الدستور الإلهي لمعاملة الزوجات ٤     الدستور الإلهي لمعاملة الزوجات ٥    الدستور الإلهي لمعاملة الزوجات ٦

الدستور الإلهي لمعاملة الزوجات ٧

 


هناك حالة من الجدل المجتمعي حادثة هذه الأيام عن الإيذاء الجسدي للزوجة، ومدى أحقية الزوج أن يؤدب امرأته بالضرب المشروط بعدم كسر عظمة من عظامها! لقد أحسنت القول الدكتورة مايا مرسي، رئيس المجلس القومي للمرأة، بتصريحها أن تأديب الزوج لزوجته إهانة، وأن قبول العنف يتعارض تعارضًا كاملاً مع الدستور المصري الذي ينص على حماية المرأة من كل أشكال العنف، وتجريم كل أشكال التمييز!

 

السؤال الذي أسعى لإثارته مجددًا لعلي أجد تجاوبًا لما أنادي به هو: "هل نحن الرجال، وخاصة مَنْ دُعي علينا اسم المسيح، بحاجة لأن ننتظر تعديل القانون المدني بتغليظ عقوبة ضرب الأزواج لزوجاتهم؛ لأن العقوبة المقررة حاليًا غير كافية، حتى نكف عن الإيذاء البدني لزوجاتنا خوفًا من أن يصيبنا ما يقرره تعديل القانون من عقوبات أشد؟"

 

على أية حال، مع أن ما يقال في الميديا عن العنف الأسري يركز على الإيذاء البدني للزوجة، إلا إنه هناك أشكال أخرى من الإيذاء لها تأثير ربما أكثر إيلامًا من الألم الجسدي. فالإساءة اللفظية للزوجة، وهي إحدى الأسلحة المدمرة للعلاقات الزوجية في ترسانة العنف ضد المرأة، تسبب لها معاناة لا توصف تستمر معها لفترة طويلة من الزمن، وتترك علامات على القلب والروح حتى وقت الشيخوخة والموت!

 

ولأن الحديث عن هذا النوع من الإيذاء نادر إلى حد ما، فليس مستغربًا أنه منتشر كالوباء في مجتمع تقليدي يقبل الهيمنة الذكورية على المرأة، وحيث لا يدرك الرجل ما تعنيه الإساءة اللفظية لزوجته، ومدى ما تتركه من تأثير عليها، فتجعلها لا تشعر بالأمان معه لافتقادها الإحساس بشخصيتها وقيمتها كإنسانة. هل تعرف السبب وراء عدم شعور زوجتك بالثقة في نفسها فتعجز عن اتخاذ أبسط القرارات، وكثيرًا ما تجدها تعاني من قلق تراه أنت غير مبرر، بل وربما تعاني من الاكتئاب؟ إنها الألفاظ التي تخرج من فمك! يقول المثل: "العصي والحجارة يمكن أن تكسر العظام، ولكن الكلمات يمكن أن تكسر القلب"، ويقول سليمان الحكيم: «فم الصديق ينبوع حياة، وفم الشرير يملأها العنف» (أمثال ١٠: ١١).

 

ربما أبسط تعريف للعنف اللفظي أنه أي شكل من أشكال التواصل الذي يقلل من شأن الآخر، بما في ذلك نوبات الغضب، الصراخ، الشتائم، المعايرة بالأصل، اللوم والاتهام، التعليق بسخرية على أسلوب الحديث أو الشكل والمظهر.. إنه كل كلمة تُوجَّه بمكر للآخر، سواء عندما يكون بمفرده أو في حضور الآخرين، فتجعله يشعر بالنقص أو الخزي، وتتركه في حيرة من أمره، فاقدًا لتوازنه.. «هناك مَنْ كلامه كطعن الحربة، أما كلام الحكيم ففيه الشفاء» (أمثال ١٢: ١٨).

 

لا نجد في الكتاب المقدس مصطلح "الإساءة اللفظية" بالتحديد، لكن به الكثير ليقوله عنها، ولعل ما يوجز قوة تأثير كلماتنا ما جاء في أمثال ١٨: ٢١: «الموت والحياة في يد اللسان».. تُرى هل كان الرب يسوع يفكر في هذا النص عندما تَحدَّث عن علاقة الكلمة بالقتل في الموعظة على الجبل، فقال: «قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تقتل، ومَنْ قتل يكون مستوجب الحكم، وأما أنا فأقول لكم: أن كل مَنْ يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم، ومَنْ قال لأخيه (أو زوجته) رَقَا (الكلمة في اللغة الأصلية تعني يا تافه، أو يا قليل العقل)، يكون مستوجب المجمع، ومَنْ قال: يا أحمق، يكون مستوجب نار جهنم» (متى ٥: ٢١- ٢٢). لقد أخذ السيد المسيح الوصية القديمة التي تحرم القتل الجسدي إلى بُعد جديد تخطى حرفية معناها، ووضع أساسًا لدستور روحي للمخاطبة يصلح للتطبيق عبر العصور بتعريفه للقتل المعنوي للنفس.

 

القتل جريمة يعاقب عليها القانون الأرضي، وخطية تدينها عدالة الخالق، مُعطي الحياة وصاحبها. لكن الألم الذي يسببه القتل، بالرغم من بشاعته، ينتهي بموت الضحية. أما الإساءة بالكلمات فهي قتل لنفس تعيش في جسد حي.. لا تُميت، لكنها تترك داخل الإنسان ندبة لجرح لا يندمل تجلب ذكريات مؤلمة تتبعه لبقية عمره. تخيل كيف سيكون مظهرنا إذا بدا على وجوهنا ما يصيبنا من إساءات لفظية كنَدَبات مرئية!

 

       الإساءة اللفظية، بقدر ما لها من تأثير مدمر على مَنْ يُساء إليه، فهي أيضًا لها عواقب طويلة الأمد على الذي يمارسها؛ لأنه سيجد نفسه مُدانًا بكلماته التي أساء بها للآخرين.. «فم الجاهل مَهلَكة له، وشفتاه شَرَك لنفسه» (أمثال ١٨: ٧).. لكن هل من أمل للمُسيء أن يتغير؟

تغيير السلوك يتطلب تدخلاً عمليًا، وشجاعة شخصية، وصدقًا مع النفس. الاقتناع بأنك في حاجة لأن تتوقف عن استخدام الكلام القاسي والمهين في الحياة اليومية هو الخطوة الأولى نحو التغيير. لا تدافع عن نفسك، وتعال إلى الله بروح منكسرة ومنسحقة، تعبيرًا عن رغبتك الصادقة للتوبة عن هذه الخطية.. اعترف واطلب المغفرة من الرب، واطلبها أيضًا من زوجتك التي اعتدت أن تُسيء إليها.. أتح نفسك للروح القدس بالمداومة على الصلاة وقراءة الكلمة المقدسة ليخلق فيك قلبًا نقيًا، ويجدد في داخلك روحًا تفيض بالشفقة والمحبة. لا تخجل من أن تطلب معونة شخص تثق فيه، ليدعم بحكمته عزيمتك أن تتغير.

 

«إن قلنا: إن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة، نكذب ولسنا نعمل الحق، ولكن إن سلكنا في النور كما هو في النور، فلنا شركة بعضنا مع بعض (كزوجين)، ودم يسوع السيح ابنه يُطهرنا من كل خطية. إن قلنا: إنه ليس لنا خطية نُضل أنفسنا وليس الحق فينا. إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل، حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم» (١ يوحنا ١: ٦- ٩).

وإلى بقية حديثنا في المرات القادمة.


  

(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ٦ فبراير/شباط ٢٠٢٢)

Copyright © 2022 Focus on the Family Middle East. All rights reserved.