Submit to FacebookSubmit to Google PlusSubmit to TwitterSubmit to LinkedIn

 

الدستور الالهي لمعاملة الزوجات ٤

بقلم: سامي يعقوب

للمزيد من هذه السلسلة:

الدستور الإلهي لمعاملة الزوجات ١        الدستور الإلهي لمعاملة الزوجات ٢      الدستور الإلهي لمعاملة الزوجات ٣

الدستور الإلهي لمعاملة الزوجات ٤        الدستور الإلهي لمعاملة الزوجات ٥     الدستور الإلهي لمعاملة الزوجات ٦ 

الدستور الإلهي لمعاملة الزوجات ٧  

        


منذ أسبوعين دارت عدة تساؤلات حول مشروع قانون تقدَّمت به النائبة أمل سلامة، يقضي بتغليظ عقوبة تعدي الزوج بالضرب على زوجته لتصبح الحبس مدة لا تقل عن ٣ سنوات وتصل إلى ٥ سنوات في بعض الحالات. وأشارت إلى أن بعض الرجال يعتقدون أن الضرب يزيد من رجولتهم، ويقنعهم بأنهم الأقوى، وتابعت بالتصريح بأن الدراسات الحديثة تشير إلى أن نحو ٨ ملايين سيدة مصرية تتعرض للعنف، وأن ٨٦٪ من الزوجات يتعرضن للضرب حسب آخر إحصائية للمجلس القومي للمرأة، وأن العنف الأسري هو السبب الرئيسي في أغلب حالات الطلاق (نقلاً عن الجرائد اليومية).

 

  مع كامل التقدير للنائبة الإنسانة المحترمة، والدهشة التي لا أستطيع أن أخفيها لاعتراض البعض على هذا المشروع بتعديل مواد القانون، أتساءل هل يحتاج من دُعي عليهم اسم المسيح لقانون يُسلَّط على رقابهم ليمتنعوا عن الإيذاء الجسدي لزوجاتهم؟  الناموس في القديم أظهر الخطية، لكنه لم يستطع أن يعالجها؛ وهكذا أي قانون مدني يمكن أن يُوصِّف الفعل الخاطئ، ويؤثِّم المخطئ معلنًا عقاب تعديه، لكنه في الواقع لا يستطيع أن يُغير من الإنسان ودوافع سلوكه الداخلية. لا يمكن لأي قانون أن يؤثر على حياتنا ما لم نجعل أنفسنا متاحين لروح الرب القدوس ليعمل فينا ويُغيِّرنا.

 

     الزواج المسيحي يجب أن يعكس علاقة المسيح والكنيسة (أفسس ٥: ٢٣)، ولكن عندما يتجاوز الزواج نموذج هذه العلاقة ليصبح نوعًا من الاسترقاق والعبودية، عندئذ يعكس صورة ما كان يفعله فرعون مع العبرانيين. الزوجة التي تتعرض للضرب، والاعتداء اللفظي، والعزل عن الأهل والأصدقاء، والتي يتحكم زوجها بشكل مطلق في ماليات الأسرة، لم تعد زوجة، بل عبدًا. 

 

     لقد كانت الضربات المخيفة التي حلَّت بمصر قبل خروج العبرانيين منها ردًا مباشرًا على العبودية القاسية التي ألحقها فرعون بشعب الله. وفي سلوك فرعون نرى صدى لما يفعله بعض الأزواج المسيئين اليوم.. فبعد كل مرة شعر فيها فرعون بالندم وتعهَّد بسلوك مختلف، كان يعود ليُشدد قبضته؛ وفي النهاية أدان الله فرعون وجيشه. إذا أراد الرجال المُسيئون أن يعرفوا شعور الله تجاههم، فهم بحاجة إلى إلقاء نظرة على ما كان يفعله فرعون، وماذا كان مصيره!

 

     يتحدث سفر الخروج إصحاح ٢١ عن أحكام معاملة العبيد ومسؤولية إحداث الضرر بالآخرين، ومع أن هذه القوانين تنطبق على الظروف البيئية والأعراف التي كانت متبعة في الأمم المحيطة بشعب الله وقت أن جاءت الشريعة، إلا أن المبادئ التي تُجسدها عن قيم احترام آدمية الآخرين، ومعاملتهم بالعدل والإنصاف، صحيحة دائمًا وأبدًا. ومع أن النص لا يتعلق بالزواج لأنه يشير إلى حقوق العبد أو المحظية اللذين تربطهما علاقة بيع وشراء بسيد يملكهما، وبالرغم من أن الكتاب المقدس لا يذكر نصًا بالتحديد عن حقوق مماثلة للزوجة، فكيف نفترض كرامة أقل لشريكة الحياة، التي توحَّدت معنا في الجسد بالزواج. من غير المعقول أن يكون للمرأة الحرة حقوق أقل من حقوق العبد.. فلم يكن مسموحًا للسيد أن يضرب عين عبده، أو يُسقط بالضرب سنة من أسنانه (خروج ٢١ :٢٦). بتطبيق نفس هذه الأحكام في ضوء تعاليم العهد الجديد، غير مسموح للرجل أن يضرب زوجته أبدًا.. «يجب على الرجال أن يحبوا نساءهم مثلما يحبون أجسادهم. مَنْ أحب امرأته أحب نفسه.. فما مِن أحد يبغض جسده، بل يغذيه ويعتني به اعتناء المسيح بالكنيسة» (أفسس ٥: ٢٩).

 

 عندما يحتاج زواجك الى مساعدة inside article

    

لا أعتقد أنه من الحكمة أن يُنصح بالمصالحة السريعة في الزيجات التي دمرها سوء معاملة الزوج لامرأته؛ فلابد من توضيح عدل الله بشكل كامل إذا أردنا أن نَقود المُخطئين إلى التوبة.. يقول الرب: «يداوون جراح شعبي باستخفاف.. يقولون: سلام سلام، وما من سلام!» (إرميا ١٤: ٦). إن الرسالة التي يجب أن يسمعها الزوج الذي يضرب زوجته هي أن غضب الله الأبدي يشتعل ضد الذين يمارسون العنف والقمع، وأن إساءاتهم ليست بعيدة عن العين اليقظة لمَنْ يقول: «لي الانتقام يقول الرب، وأنا الذي يجازي» (رومية ١٩: ١٢). التخفيف من حدة عقاب الله يعني أننا نقدم للمسيئين نعمة رخيصة! على أية حال، الباب للتوبة الحقيقية مفتوح دائمًا أمام المعتدي، لكن التوبة لن تأخذ مكانها في حياته ما لم يدرك أن خطيته مدانة أمام غضب الخالق، وعندئذ فقط يكون مستعدًا لقبول الغفران عند الصليب.

 

     أما الرسالة التي يجب أن تسمعها الزوجة المعتدى عليها فهي أن الرب يحمي الضعفاء، ويُصغي لصراخ المظلومين، ويتجاوب برأفة مع معاناتهم. لقد أنشد داود للرب عندما أنقذه من يد الذين كرهوه وكانوا أقوياء عليه، وأنقذه من رجل الظلم شاول، فنطق بهذه الكلمات الرائعة: «الرب صخرتي وحصني، ومنقذي، إلهي صخرتي وبه أحتمي، ودرعي وركن خلاصي.. هو حصني وملجأي، ومن الظلم يُنجيني» (٢صموئيل ٢٢: ٣). كما أعلن سليمان أن الله «يُخلِّص البائسين، ويسحق ظالميهم... يُنقذ البائس المستغيث والمسكين الذي لا نصير له. يحمي الذليل والبائس، ويُخلِّص نفوس الفقراء من الأذى والعنف يفتديهم، ويكون دمهم عزيزًا عليه» (مزمور٧٢: ٤، ١٢- ١٤).

 

    الإساءة تشوه صورة الله، بدلاً من أن تكرمه وتمجده كإله اسمه «محبة»، وقلبه يفيض بالرحمة والشفقة.. الإيذاء الجسدي يشوه صورة سيادة وسلطان الله على البشر.. تجاهل الزوج للاحتياجات الجسدية لزوجته يشوه صورة الله الراعي لخليقته. يقول الرسول بولس عن الرجل الذي لا يهتم بتوفير احتياجات بيته أنه «أنكر الإيمان وهو أسوأ من غير المؤمن» (١ تيموثاوس٥: ٨). كذلك فإن الإساءة اللفظية تفسد الود وتقتل الحميمية بين الزوجين.. «الموت والحياة في يد اللسان» (أمثال ١٨: ٢١).

 

     ما أصعب أن أكتب هذه الكلمات؛ لأن بعضها ربما يكون مُوجعًا، لكن الضرورة موضوعة عليّ لأن أُطلِق هذا النداء، متمنيًا أن تكون هذه الأحاديث بمثابة «نوبة صحيان» لمن يريد فيسمع، ويتضع فيعود ويرمم ما قد هُدم..

وإلى بقية الحديث في المرات القادمة.

      


 

(نُشر بجريدة وطني بتاريخ ١٧ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢١)

 

Copyright © 2021 Focus on the Family Middle East. All rights reserved.